وترتيب الإلقاء بالفاء ينبغي أن يكون لتأويله برادة النشر والفرق، وسيأتي تمامه نقلًا عن ابن الشيخ.
والحاصل: أنه سبحانه وتعالى أقسم بطوائف من الملائكة أرسلهنّ بأوامره بنحو التدبير وإيصال الأرزاق بالتصرّف في الأمطار والرياح وكتابة أعمال العباد بالليل والنهار وقبض الأرواح، فعصفهنّ في مضيّهنّ عصف الرياح مسارعة في الامتثال بالأمر. وبطوائف أخرى نشرن أجنحتهن في الجوّ عند انحطاطهنّ بالوحي؛ أو نشرن الشرائع في الأقطار؛ أي؛ فرَّقن وأشعنَ أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل أي أحيينَ بما أوحين ففرَّقن بين الحق والباطل، فألقين ذكرًا إلى الأنبياء ﴿عُذْرًا﴾ لأهل الحق؛ أي: معذرة لهم في الدنيا والآخرة لاتباعهم الحقّ. ﴿أَوْ نُذْرًا﴾ لأهل الباطل لعدم اتباعهم الحقّ. وعذرًا مصدر من عذر إذا محا الإساءة، و ﴿نُذْرًا﴾ اسم مصدر من أنذر إذا خوّف، لا مصدر؛ لأنه لم يسمع فعل مصدرًا من أفعل. وانتصابهما على البدلية من ﴿ذِكْرًا﴾. قال ابن الشيخ: إذا كان الذكر المبدل منه بمعنى جميع الوحي يكون ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)﴾ بدل البعض من الكلّ، فإنّ ما يتعلق بمغفرة المطيعين، وتخويف المعاندين بعض من جملة الوحي. وإن أريد بالذكر المبدل منه ما يتعلق بسعادة المؤمن وشقاوة الكافر خاصّة يكون بدل الكل من الكل، فإن إلقاء ما يتعلق بسعادة المؤمن متحد بالذات مع إلقاء عذره ومحو إساءته، وكذا إلقاء ما يتعلق بشقاوة الكافر متحد مع إلقاء إنذاره على كفره انتهى. أو انتصابهما على العلية للصفات المذكورة أو للأخيرة وحدها، وهو الأولى بمعنى فاللائي ألقين ذكرًا لمحو ذنوب المعتذرين إلى الله بالتوبة والاستغفار، ولتخويف المبطلين المصرّين. وفي "كشف الأسرار": لأجل الإعذار من الله إلى خلقه لئلا يكون لأحد حجة، فيقول: لم يأتني رسول، ولأجل إنذارهم من عذاب الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)﴾ قال: يقول الله: "يا ابن آدم إنّما أمرضكم لأذكّركم، وأمحص به ذنوبكم، وأكفر به خطاياكم، وربكم أعلم أن ذلك المرض يشتدّ عليكم، وأنا في ذلك معتذر إليكم". قال بعضهم: المعنى: ورب المرسلات إلخ.
وفي "الإرشاد": لعل تقديم نشر الشرائع ونشر النفوس والفرق على الإلقاء؛ أي: مع أن الظاهر أن الفرق بين الحق والباطل يكون مع النشر لا بعده، وأنّ إلقاء