الذكر إلى الأنبياء متقدم على نشر الشرائع في الأرض وإحياء النفوس الموتى والفرق بين الحق والباطل، فلا يظهر التعقيب بينهما. للإيذان بكونها غاية للإلقاء حقيقةً بالاعتناء بها، أو للإشعار بأن كلا من الأوصاف المذكورة مستقل بالدلالة على استحقاق الطوائف الموصوفة بها للتفخيم والإجلال بالإقسام بهنّ، ولو جيء بها على ترتيب الوقوع لربّما فهم أن مجموع الإلقاء والنشر والفرق هو الموجب لما ذكر من الاستحقاق، هذا وقد قيل في هذا المقام غير ذلك كما مرّ عن "الخازن"، لكن الحمل على الملائكة أوجه وأسدّ، لما ذكرنا في المدثر أن المحققين على أنه من الملائكة المرسلات والناشرات والملقيات وغير ذلك انتهى من "روح البيان".
وقرأ الجمهور (١): ﴿عُرْفًا﴾ بسكون الراء. وقرأ عيسى بن عمر بضمّها. وقرأ الجمهور ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ﴾ بسكون اللام وتخفيف القاف، اسم فاعل من الإلقاء. وقرأ ابن عباس بفتح اللام وتشديد القاف اسم فاعل من التلقية، وهي أيضًا إيصال الكلام إلى المخاطب، يقال: لقيته الذكر فتلقاه. وقرأ أيضًا ابن عباس فيما ذكره المهدويّ بفتح اللام والقاف مشدّدة، اسم مفعول؛ أي: تلقّته من قبل الله تعالى. وقرأ إبراهيم التيميّ، والنحويان: أبو عمرو والكسائي، وحفص ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)﴾ بسكون الذالين. وقرأ زيد بن ثابت، وابن خارجة بن زيد، وطلحة، وأبو جعفر، وأبو حيوة، وعيسى، والحسن بخلاف عنه، والأعشى عن أبي بكر بضمّهما. وقرأ أبو جعفر أيضًا، وشيبة، وزيد بن عليّ، والحرميّان. نافع وابن كثير، وابن عامر، وأبو بكر بسكونها في ﴿عُذْرًا﴾، وضمها في ﴿نُذْرًا﴾. فالسكون على أنهما مصدران مفردان، أو مصدران جمعان، فـ ﴿عُذْرًا﴾ جمع عذر بمعنى المعذرة، و ﴿نُذْرًا﴾ جمع نذير بمعنى الإنذار، وانتصابهما على البدل من ﴿ذِكْرًا﴾، كأنّه قيل: فالملقيات ﴿عُذْرًا﴾ أو ﴿نُذْرًا﴾ أو على المفعول من أجله، أو على أنهما مصدران في موضع الحال؛ أي: عاذرين، أو منذرين. ويجوز مع الإسكان أن يكونا جمعين على ما قرّرناه. وقرأ الجمهور (٢): ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)﴾ على العطف بـ ﴿أو﴾ التفصيلية. وقرأ إبراهيم التيمي وقتادة على العطف بالواو بدون ألف.
٧ - ثم ذكر سبحانه جواب القسم، فقال: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (٧)﴾؛ أي: إنّ الذي
(٢) البحر المحيط.