فاعل معيّن كانت النكرة المذكورة متخصصة بذلك الفاعل، فساغ الابتداء بها لذلك، كما قالوا: في سلام عليك. وقال بعضهم: الويل واد في جهنم، لو أرسلت الجبال لماعت من حرّه؛ أي: ذابت.
والمعنى: أي هلاك شديد وعذاب عظيم يومئذٍ كائن لمن كذب بالله ورسله وبكتبه، وبكل ما ورد على ألسنة أنبيائه وأخبروا به.
وكرّر هذه (١) الآية في هذه السورة لأنّه قسم الويل بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذابًا سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرمًا من التكذيب بغيره، فيقسم له من الويل على قدر ذلك التكذيب.
١٦ - ثم ذكر سبحانه ما فعل بالكفار من الأمم الخالية، فقال: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦)﴾ كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن أهلكوا قبل بعثة محمد - ﷺ -، وذلك لتكذيبهم بيوم الفصل. وهو (٢) استئناف إنكار لعدم الإهلاك إثباتًا وتقريرًا له؛ لأنّ نفي النفي يثبت الإثبات ويحقق الإهلاك، فكأنه قيل: لم يكن عدم الإهلاك بل قد أهلكناهم، وقرأ الجمهور ﴿نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ﴾ بضم النون، وقتادة بفتحها، قال الزمخشري: من هلكه بمعنى أهلكه.
١٧ - ﴿ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)﴾ وهم الذين كانوا بعد بعثة محمد - ﷺ -.
وقرأ الجمهور ﴿نُتْبِعُهُمُ﴾ بالرفع على الاستئناف على معنى: ثم نحن نتبعهم الآخرين من نظرائهم السالكين مسلكهم في الكفر والتكذيب؛ أي: نجعلهم تابعين للأوّلين في الإهلاك. قال أبو البقاء: فليس بمعطوف على ما قبله، لأن العطف يوجب أن يكون المعنى: أهلكنا الأولين ثمّ أتبعناهم الآخرين في الإهلاك، وليس كذلك؛ لأنّ إهلاك الآخرين لم يقع بعد، فلذلك رفع ﴿نتبع﴾ على أن يكون مقطوعًا عمّا قبله، ويستأنف به الكلام على وجه الإخبار عمّا سيقع في المستقبل بإضمار المبتدأ. وفيه وعيد لكفّار مكة. ويدل على الرفع قراءة ابن مسعود ﴿ثم سنتبعهم الآخرين﴾ بسين الاستقبال. وقرأ الأعرج والعبّاس عن أبي عمرو ﴿نتبعهم﴾ بالجزم عطفًا على ﴿نُهْلِكِ﴾ ويحتمل (٣) تسكينه تخفيفًا، كما سكّن ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ﴾، فهو
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.