والمكان والآلة، وإن كانت مشتقة لا تعمل، وفي اسم المصدر خلاف، وأما المصدر وجمع اسم الفاعل فهما من الأسماء العاملة، فمن جعل الكفات مصدرًا أو جمع اسم الفاعل، وهو كافت كصيام جمع صائم جعله عاملًا، ومن جعله اسما لما يكفت أو جمعًا للكفت بمعنى الوعاء منعه من العمل، غير الزمخشري فإنه جعل ﴿كِفَاتًا﴾ وهو اسم عاملًا، وقد طعن فيه. ﴿وَأَمْوَاتًا﴾ غير محصورة في بطنها، ولهذا كانوا يسمون الأرض أُمًّا تشبيهًا لها بالأم في ضمها للناس إلى نفسها أحياء وأمواتًا كالأم التي تضم أولادها إليها وتضبطهم.
واستدل بهذا القفال على أن النباش يقطع؛ لأن بطن الأرض حرز للكفن، فإذا نبش وأخذ منه فهو سارق. ولما كانوا ينضمون إنيها جعلت كأنها تضمهم، وأيضًا كما أن الأرض كفات الأحياء بمعنى أنهم يسكنون فيها كذلك أنها كفات لهم بمعنى أنها تكفت ما ينفصل من الأحياء من الأمور المستقذرة، وتنكيرهما في معنى التعريف الاستغراقي لا للأفراد والنوعية، ويجوز أن يقال: الأرض وإن كانت كفاتًا لجميع أحياء الإنس وأمواتهم، لكن الأحياء والأموات غير منحصرة فيها؛ لأن بعض الحيوان يكفته الهواء والبعض الآخر يكفته الماء، فلا تكون للجميع بل للبعض، فيصح التنكير.
٢ - ٢٧ ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾؛ أي: في الأرض ﴿رَوَاسِيَ﴾؛ أي: جبالًا ثوابت مستقرّات، فمفعول ﴿جعلنا﴾ مقدر، و ﴿رَوَاسِيَ﴾ صفة له، من رسا الشيء يرسو إذا ثبت، والجبال ثوابت على ظهر الأرض، لا تزول ولا تزلزل. ﴿شَامِخَاتٍ﴾ صفة بعد صفة. والشامخ: العالي المرتفع؛ أي: طوالًا شواهق، ومنه: شمخ بأنفه عبارة عن الكبر. وفي عين المعاني: ﴿رَوَاسِيَ﴾؛ أي: ثوابت الأصول رواسخ العروق شامخات؛ أي: مرتفعات الفروع، ووصف جمع المذكر بجمع المؤنث في غير العقلاء مطرد كأشهر معلومات ونحوه. والتنكير للتفخيم أو للإشعار بأن ما يرى على ظهر الأرض من الجبال بعض منها، وإن في عداد الجبال ما لم يعرف ولم ير، فإن السماء فيها جبال أيضًا بدلالة قوله تعالى: ﴿مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَد﴾ انتهى.
والمعنى (١): أي وجعلنا جبالًا ثوابت عاليات على ظهرها، لئلا تميد بكم،