قوله تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمَّا ذكر حال أهل الجنة الدنيوية، وما أصابهم فيها من النقمة حين عصوه، وخالفوا أمره، أعقب هذا ببيان أن لمن اتقاه وأطاعه جنات النعيم التي لا تبيد ولا تفنى في الدار الآخرة، ثم رد على من قال من الكفار: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد وأصحابه لم يفضلونا، بل نكون أحسن منهم حالًا؛ لأن من أحسن إلينا في الدنيا يحسن إلينا في الآخرة بأنكم كيف تسوون بين المطيع والعاصي فضلًا أن تفضلوا العاصي عليه؟.
ثم أخذ يقطع عليهم الحجة فقال: أتلقيتم كتابًا من السماء، فقرأتم فيه أنكم تختارون ما تشاؤون، وتكونون وأنتم مجرمون كالمسلمين الصالحين؟ أم أعطيناكم عهودًا أكّدناها بالإيمان فاستوثقتم بها، هي ثابتة لكم إلى يوم القيامة؟ أم لكم أناس يذهبون مذهبكم في هذا القول. وإن صح أن لكم ذلك فلتأتوا بهم يوم يشتد الأمر، ويصعب الخطب، وتدعونهم حينئذٍ إلى السجود فلا يستطيعون، وتكون أبصارهم خاشعة ذليلة وقد كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود وهم سالمون أصحاء، فيأبون كل الإباء.
قوله تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ...﴾ إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا خوف الكفار من هول يوم القيامة، خوفهم مما في قدرته من القهر، فقال لرسوله - ﷺ - مؤنبًا لهم وموبخًا: خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن، فإني عالم بما ينبغي أن أفعل بهم، فلا تشغل قلبك بهم وتوكل عليَّ في الانتقام منهم، إنا سندنيهم من العذاب درجةً فدرجةً، ونورطهم فيه بما نوليهم من النعم، ونرزقهم من الصحة والعافية فتزداد معاصيهم من حيث لا يشعرون، فكلما جددوا معصية جددنا لهم نعمة وأنسيناهم شكرها. ثم قال لرسوله: ماذا ينقمون منك؟ أأنت تسألهم أجرًا على تبليغ الرسالة يثقل عليهم فامتنعوا عن إجابة دعوتك؟ أم عندهم علم الغيب المكتوب في اللوح المحفوظ، فهم يكتبون منه ما يحكمون به؟ كلَّا، لا هذا ولا ذاك، إذًا فالقوم معاندون فلم يبق إلا أن تصبر لحكم ربك، وقد حكم بإمهالهم، وتأخير نصرتك، وهم إن
أمهلوا فلن يهملوا.


الصفحة التالية
Icon