المناسبة
تقدّم لك بيان مناسبة هذه السورة لما قبلها، ثم إن الله سبحانه بدأ هذه السورة بأنْ مجد نفسه، وأخبر بأن بيده الملك والتصرف في جميع المخلوقات بما يشاء، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل؛ لقهره وحكمته وعدله، وهو القدير على كل شيء. ثم أخبر بأنه قدر الموت والحياة ليبلوكم فينظر من منكم أخلص له عملًا، وهو ذو العزة الغالب على أمره الغفور لمن أذنب ذنبًا ثم تاب وأقلع عنه، ثم أردف ذلك بأنه خلق سبع سموات بعضها فوق بعض لا خلل فيها ولا عيب، فانظر أيها الرائي أترى فيها شقًّا أو عيبًا؟ ثم أعد النظر وحدق بالبصر، لتستيقن تمام تناسبها واستواء خلقها. وقد زينا أقرب السموات إليكم بالكواكب يهتدي بها الساري، ويعلم بها عدد السنين والحساب، وعليها تتوقف حياة الحيوان والنبات، وهي أيضًا سبب الأرزاق المهيجة لشهوات شياطين الإنس والجنّ، وهؤلاء قد استمدوا شيطنتهم من مظاهر الطبيعة بوساطة الحرارة والضوء من الكواكب، وبذا أعد لها عذاب السعير جزاء ما اقترفوا في حياتهم الدنيا.
قوله تعالى: ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (١) أنّ شياطين الإنس والجنّ قد أعد لهم عذاب السعير.. أردف ذلك ببيان أن هذه النار قد أعدها لكل جاحد بوحدانيته مكذّبٍ رسله منكر للبعث واليوم الآخر، ثم وصف هذه النار بأوصاف تشيب من هولها الولدان، وتصطك لسماعها الأسنان، منها:
١ - أنه يسمع لها شهيق حين يلقى الكافرون فيها.
٢ - أنها تفور بهم كما يفور ما في المرجل حين يغلي.
٣ - أنها تكون شديدة الغيظ والحنق على من فيها.
٤ - أن خزنتها يسألون داخليها: ألم تأتكم رسل منكم فتبعدكم عن هذا العذاب.
٥ - أن أهلها يعترفون بأن الله ما عذبهم ظلمًا بل قد جاءهم الرسل، فكذبوهم