١ - ﴿وَإِنَّ لَكَ﴾ يا محمد بمقابلة مقاساتك ألوان الشدائد من جهتهم وتحملك لأعباء الرسالة ﴿لَأَجْرًا﴾؛ أي: لثوابًا عظيمًا. ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: غير مقطوع ولا منقوص مع عظمه، كقوله تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾. ومنه قيل: المنون للمنيَّة؛ لأنها تنقص العدد، وتقطع المدد، يقال: مننت الحبل إذا قطعته. وقال مجاهد: ﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ غير محسوب. وقال الحسن: غير مكدَّر بالمن. وقال الضحاك: أجرًا بغير عمل. وقيل: غير مقدر، وقيل: غير ممنون به عليك من جهة الناس. ويقال: أجر النبي مثل أجر الأمة قاطبة غير منقوص. وقال بعضهم: أجره قبول شفاعته، وهي غير منقطعة عن أهل الكبائر من أمّته، لا يخيب الله رجاءه - ﷺ - في غفرانهم جميعًا بلا عتاب ولا عذاب.
والمعنى: أي وإنّ لك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على الأذى ومقاساة الشدائد.
٢ - ٤ ﴿وَإِنَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: إنك على طبع كريم. قال الماوردي: وهذا هو الظاهر. وحقيقة الخلق في اللغة: ما يأخذ الإنسان نفسه به من الأدب؛ أي: خلقت على خلق عظيم لا يدرك شأوه أحد من الخلق، ولذلك تحتمل من جهتهم ما لا يكاد يحتمله البشر. قال بعضهم: لكونك متخلقًا بأخلاق الله وأخلاق كلامه القديم ومتأيّدًا بالتأييد القدسي، فلا تتأثر بافترائهم، ولا تتأذى بأذاهم، إذ بالله تصبر لا بنفسك، كما قال: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾، ولا أحد أصبر من الله. وكلمة ﴿على﴾ للاستعلاء فدلت على أنه - ﷺ - مشتمل على الأخلاق الحميدة، ومستول على الأفعال المرضية حتى صارت بمنزلة الأمور الطبيعية له، ولهذا قال تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)﴾؛ أي: لست متكلفًا فيما يظهر لكم من أخلاقي، لأنّ المتكلف لا يدوم أمره طويلًا بل يرجع إليه الطبع. وقد ثبت في "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن خلق النبي - ﷺ - فقالت: كان خلقه القرآن، أرادت به أنه - ﷺ - كان متحليًا بما في القرآن من مكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف، ومتخلِّيًا عما يزجر عنه من السيئات وسفاسف الخصال. وقد جمع الله سبحانه وتعالى فيه ما كان متفرّقًا في غيره من الأنبياء، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾. فهذه درجة عالية لم يتيسر لأحد من الأنبياء عليهم السلام، فلا جرم وقد وصفه الله تعالى بكونه على خلق