إلى ما يفضيه إلى الشقاوة الأبدية. وهذا هو المجنون الذي لا يفرق بين النفع والضر، بل يحسب التفسير نفعا فيؤثره والنفع ضرًّا فيهجره. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ إلى سبيله الموصلة إلى السعادة العاجلة والآجلة، الفائزين بكل مطلوب الناجين من كلّ محذور. وهم العقلاء المراجيح، فيجزي كلًّا من الفريقين حسبما يستحقه من العقاب والثواب، وإعادة ﴿هُوَ أَعْلَمُ﴾ لزيادة التقرير. وفي (١) الآية إشعار بأنّ المجنون في الحقيقة هو العاصي لا المطيع.
٨ - والفاء في قوله: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)﴾ فاء الفصيحة؛ لأنّها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما تقدم لك، وأردت بيان ما هو اللازم لك فأقول لك: لا تطع المكذبين؛ أي: دم على ما أنت عليه من عدم طاعتهم فيما يدعونك إليه من الك عنهم ليكفّوا عنك، وتصلب في ذلك. نهاه سبحانه عن ممايلة المشركين، وهم رؤساء كفار مكة؛ لأنهم كانوا يدعونه إلى دين آبائهم، فنهاه الله عن طاعتهم. أو هو تعريض بغيره عن أن يطيع الكفّار. أو المراد بالطاعة مجرّد المداراة بإظهار خلاف ما في الضمير. فنهاه الله عن ذلك،
٩ - كما يدل عليه قوله: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ﴾؛ أي: أحبوا لو تلاينهم وتسامحهم في بعض الأمور وترك الدعوة إلى الله سبحانه ﴿فَيُدْهِنُونَ﴾؛ أي: فهم يداهنونك حينئذٍ ويلاينونك، ويسامحونك بترك الطعن في دينك، وترك رميك بالجنون والكهانة والسحر، فإنَّ الإدهان هو الملاينة والمسامحة والمداراة، كذا قال الفرّاء والكلبي. وقال الضحاك والسدّي: ودّوا لو تكفر فيتمادوا على الكفر. وقال الربيع بن أنس: ودّوا لو تكذب فيكذبون. وقال قتادة: ودّوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك. وقال الحسن (٢): ودّوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك. وقال مجاهد: ودّوا لو تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الحقّ فيما يلونك. قال ابن قتيبة: كانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدّة، ويعبدوا الله مدة. و ﴿لو﴾ مصدرية؛ أي: ودّوا ادهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك. والفاء في ﴿يدهنون﴾ للعطف على ﴿تُدْهِنُ﴾، فيكون ﴿يدهنون﴾ داخلًا في حيّز ﴿لو﴾، ولذا لم ينصب ﴿يدهنون﴾ بسقوط النون جوابًا للتمنّي. قال سيبويه: وزعم قالون أنها في بعض المصاحف {ودّوا لو تدهن
(٢) الشوكاني.