١٠ - ثم خص من هؤلاء المكذبين أصنافًا هانت عليهم نفوسهم، فأفسدوا فطرتها تشهيرًا بهم، فقال:
١ - ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾؛ أي: ولا تطع يا محمد المكثار من الحلف في الحق، وفي الباطل لجهله حرمة اليمين وعدم مبالاته من الحنث لسوء عقيدته، الكاذب الذي يتقي بأيمانه الكاذبة التي يجترىء بها على الله ضعفه ومهانته أمام الحق، وتقديم هذا الوصف على سائر الأوصاف الزاجرة عن الطاعة لكونه أدخل في الزجر. قال في "الكشاف": وكفى به مزجرةً لمن اعتاد الحلف، ومثله قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ انتهى. ودخل (١) فيه الحلف بغير الله تعالى، فإنه من الكبائر. وأصل الحلف: اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها الحلف؛ أي: العهد. ثم عبر بها عن كل يمين.
٢ - ﴿مَّهِينٍ﴾ فعيل من المهانة، وهي القلّة والحقارة أي: حقير الرأي والتدبير؛ لأنَّه لا يعرف عظمة الله سبحانه، ولذا أقدم على كثرة الحلف. ويجوز أن يراد به الكذّاب؛ لأنّه حقير عند الناس. والكذب أس كل شر ومصدر كل معصية.
٣ - ١١ ﴿هَمَّازٍ﴾؛ أي؛ عياب طعان مغتاب للناس، وهو مبالغة هامز من الهمز، وهو الضرب والطعن والكسر والعيب، فاستعير للمغتاب الذي يذكر الناس بالمكروه ويظهر عيوبهم ويكسر أعراضهم، كأنه يضربهم بأذاه إيَّاهم. وقيل (٢): الهمَّاز الذي يذكر الناس في وجوههم، واللماز الذي يذكرهم في مغيبهم، كذا قال أبو العالية والحسن، وعطاء بن أبي رباح. وقال مقاتل عكس هذا. قال الحسن: يلوي شدقيه في أقفية الناس. وفي الحديث: "لا يكون المؤمن طعّانًا ولا لعّانًا، وفي حديث آخر: "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس". يعني: من ينظر إلى عيب نفسه، فيكون ذلك مانعًا له عن النظر إلى عيب غيره وتعييبه به، وذلك لا يقتضي أن لا ينهى العاصي عن معصيته اقتداءً بأمر الله تعالى بالنهي عن المنكر لا إعجابًا بنفسه وازدراء لقدر غيره عند الله تعالى.
٤ - ﴿مَشَّاءٍ﴾ أي: ساع بين الناس ﴿بِنَمِيمٍ﴾؛ أي: بنميمة. والنميم كالنميمة:

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon