١٤ - ثم ذكر بعض ما ربما دعاه إلى طاعتهم، فقال: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤)﴾ متعلق بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ﴾ على تقدير الجار؛ أي: لا تطع يا محمد من هذه مثالبه ومعايبه؛ لأنه كان مشمولًا ذا مال كثير مستظهرًا بالبنين؛ أي: لا تطعه من جراء ماله وكثرة أولاده وتقويه بهم، فإن ذلك لا يجديه نفعًا عند ربه، كما قال سبحانه: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)﴾.
وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والمغيرة، وأبو حيوة ﴿آن كان﴾ بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام. وقرأ حمزة وأبو بكر والمفضل ﴿أأن كان﴾ بهمزتين مخففتين. وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر. وعلى قراءة الاستفهام يكون المراد به التوبيخ والتقريع، حيث جعل شكر نعمة الله الكفر به وبرسوله. وقرأ نافع في رواية عنه بكسر الهمزة على الشرط.
١٥ - ثم ذكر سبب النهي عن طاعته، فقال: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا﴾ استئناف جار مجرى التعليل للنهي؛ أي: إذا تقوأ عليه آيات كلامنا القديم. يعني: القرآن ﴿قَالَ﴾ ذلك الخلاف المهين هي ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: أحاديث لا نظام لها، اكتتبها الأقدمون كذبًا فيما زعموه لقوله تعالى: ﴿اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ﴾. قال السدي: أساجيع الأوّلين؛ أي: جعل مجازاة النعم التي خولناها من المال والبنين، وشكرها الكفر بآياتنا. قال المبرد: الأساطير جمع أسطورة نحو: أحدوثة وأحاديث.
والمعنى: أي إذا تلي عليه القرآن قال: ما هو إلا من كلام البشر، ومن قصص الأولين التي دونت في الكتب، وليس هو من عند الله تعالى.
١٦ - وبعد أن ذكر قبائح أفعاله توعده، فقال: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)﴾؛ أي: سنجعل له سمةً وعلامةً يعرف بها بالكيّ على أكرم مواضعه لغاية إهانته وإذلاله. وأصل (١) ﴿سَنَسِمُهُ﴾ سنوسمه، كما سيأتي. من الوسم، وهو إحداث السمة بالكسر؛ أي: العلامة بالميسم، والميسم بالكسر: المكواة؛ أي: آلة الكيّ. والخرطوم كزنبور: الأنف أو مقدمه. وفي التعبير عن الأنف بلفظ الخرطوم استهانة بصاحبه واستقباح له، لأنّه لا يستعمل إلّا في الفيل والخنزير، وكلما كان الحيوان أخبث وأقبح كانت