أهل صنعاء اليمن، وذلك أنّها كانت بأرض اليمن على فرسخين من صنعاء لرجل يؤدي حقَّ الله منها، فمات وصارت إلى أولاده فمنعوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها. قال الواحدي: هم قوم من ثقيف، كانوا باليمن مسلمين، ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزروع ونخيل، وكان أبوهم يجعل مما فيها من كل شيء حظًّا للمساكين عند الحصاد والصرام، فقال بنوه: المال قليل والعيال كثير، ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا، وعزموا على حرمان المساكين، فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله سبحانه في كتابه. قال الكلبي: كان بينهم وبين صنعاء فرسخان، ابتلاهم الله تعالى أن حرق جنتهم. وقيل: هي جنة كانت بصوران وصوران على فراسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير.
وقوله: ﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾ وحلفوا. ظرف لبلونا ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾؛ أي: والله ليصرمن ثمارها من الرطب والعنب، ويقطعنها، ويجمعن محصولها من الزرع وغيره ﴿مُصْبِحِينَ﴾؛ أي: حال كونهم داخلين في الصباح مبكرين إليها، وسواد الليل باق. و ﴿يصرمنها﴾ جواب القسم، و ﴿مُصْبِحِينَ﴾ حال من فاعل ﴿يصرمنها﴾ وجاء جواب القسم على خلاف منطوقهم، ولو جاء على منطوقهم.. لقيل: لنصرمنها بنون التكلم.
١٨ - ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨)﴾؛ أي: لا يقولون: إن شاء الله. وتسميته استثناء مع أنه شرط من حيث إن مؤداه مؤدى الاستثناء، فإن قولك: لأخرجن إن شاء الله، ولا أخرج إلا إن شاء الله بمعنى واحد، والجملة مستأنفة، أو حال بعد حال.
والأظهر أنَّ المعنى (١): ولا يستثنون حصة المساكين، أي: لا يميزونها ولا يخرجونها كما يفعله أبوهم. وقال أبو حيان: ولا يثنون عما عزموا عليه من منع المساكين، ولعل إيراد الاستثناء بعد إيراد إقسامهم على فعل مضمر لمقصودهم مستنكر عند أرباب المروءة، وأصحاب الفتوة لتقبيح شأنهم بذكر السببين لحرمانهم، وإن كان أحدهما كافيًا فيه، لكن ذكر الإقسام على أمر مستنكر أولًا، وجعل ترك الاستثناء حالًا منه ثانيًا يفيد أصالته وقوته في اقتضاء الحرمان.
ومعنى الآية (٢): أنّا امتحنا كفار مكة بما تظاهر عليهم من النعم والآلاء وما رحمناهم به من واسع العطاء لنرى حالهم أيشكرون هذه النعم، ويؤدون حقها
(٢) المراغي.