وينيبون إلى ربهم ويتبعون الداعي لهم إلى سبيل الرشاد؛ وهو الرسول - ﷺ - الذي بعثناه لهم هاديًا وبشيرًا ونذيرًا، أم يكفرون به ويكذبونه فيجحدون حق الله عليهم فيبتليهم بعذاب من عنده، ويبيد تلك النعم جزاء كفرانهم وجحودهم كما اختبرنا أصحاب ذلك البستان الذين منعوا حق الله فيه، وعزموا على أن لا يؤدوا زكاته لبائس ولا فقير، فحق عليهم من الجزاء ما هم له أهل. ﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾... إلخ؛ أي: حين حلفوا ليجدُّن ثمرها غدوة حتى لا يعلم بهم سائل ولا فقير فيتوافر لهم ما كان يأخذه هؤلاء الفقراء، ولم يثنوا عما همُّوا به.
١٩ - ثم أخبر سبحانه عما جازاهم لكفرانهم بهذه النعم ومنعهم حق الفقراء فقال: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا﴾؛ أي: على تلك الجنة؛ أي: أحاط بها ﴿طَائِفٌ﴾؛ أي: بلاء طائف كقوله: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾. وذلك إذ لا يكون الطائف إلا بالليل، وأيضًا دل عليه ما بعده من ذكر النوم. وكان ذلك الطائف نارًا نزلت من السماء، فأحرقتها. وقيل: الطائف جبريل اقتلعها. ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾؛ أي: مبتدىء من جهته تعالى. قال الراغب: الطوف: الدّوران حول الشيء، ومنه: الطائف لمن يدور حول البيت حافظًا، ومنه: استعير الطائف من الجن والحبال والخادم وغيرها. قال تعالى: ﴿فَطَافَ﴾ إلخ، تعريضًا بما نالهم من النائبة انتهى. ﴿وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ في محل نصب على الحال؛ أي: وهم (١) غافلون عما جرت به المقادير، أو غافلون عن طوافه بالنوم الذي هو أخو الموت. والنوم: استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، أو أن يتوفى الله النفس من غير موت؛ أي: أن يقطع ضوء الروح عن ظاهر الجسد دون باطنه، أو النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل. وكلّ هذه التعريفات صحيحة.
٢٠ - ﴿فَأَصْبَحَتْ﴾؛ أي: فصارت تلك الجنة بالاحتراق ﴿كَالصَّرِيمِ﴾؛ أي: شبيهة بالبستان الذي صرمت وقطعت ثماره بحيث لم يبق منها شيء؛ لأنَّ النار السماوية أحرقتها، أو صارت كالليل في اسودادها؛ لأنّ الليل يقال له: الصريم؛ أي: صارت سوداء كالليل لاحتراقها، أو كالنهار في ابيضاضها من فرط اليبس، والصريم فعيل بمعنى مفعول.
والمعنى (٢): فطرق تلك الجنة طارق من أمر الله ليلًا، وهم نيام، إذ أرسل

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon