للعهد؛ أي: مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة، وأصحاب الجنة المذكورة العذاب؛ أي: عذاب الدنيا النازل فيها على من طغى بمنع حقوق الله تعالى. وفي "كشف الأسرار": كذلك أفعل بأمتك يا محمد إذا لم تعطف أغنياؤهم على فقرائهم بأن أمنعهم القطر، وأرسل عليهم الجوائح، وأرفع البركة من زروعهم وتجارتهم. ففيه وعيد لمانعي الزكاة والصدقة بإهلاك المال، وإنزال العذاب بأيّ طريق كان.
والمعنى (١): وهكذا عذاب من خالف أمر الله تعالى، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق البائس الفقير، وإذا كانت هذه حال من فعل الذنب اليسير كأصحاب الجنة، فما بالكم بذنب من يعاند الرسول ويصر على الكفر والمعصية.
وبعد أن أبان لهم أن عذاب الدنيا كما سمعتم، ورأيتم أشار إلى عذاب الآخرة، فقال: ﴿وَلَعَذَابُ اَلأَخِرَةِ﴾ المعد للكفرة والطغاة ﴿أَكْبَرُ﴾؛ أي: أشدُّ وأعظم لبقائه ودوامه ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: لو كان المشركون يعلمون أنه أكبر وأعظم لاحترزوا عما يؤديهم إليه، ويطرحهم ويرميهم فيه، ولكنهم لا يعلمون ذلك، ولذلك أصروا على إشراكهم وتكذيبهم للنبي - ﷺ -. وجواب الشرط محذوف كما قدرنا.
والخلاصة: أنَّ عذاب الآخرة أشد وأنكى من عذاب الدنيا، فما عذاب هذه إلا هلاك الأموال والثمرات، وعذاب تلك نار وقودها الناس والحجارة، لو كانوا من ذوي العلم والمعرفة.. لارتدعوا عن غيّهم، وثابوا إلى رشدهم، وهذا نعي عليهم بالغفلة، وأنهم ليسوا من أرباب النهى والمعرفة.
٣٤ - ولما فرغ سبحانه وتعالى من ذكر حال الكفّار وتشبيه ابتلائهم بابتلاء أصحاب الجنة المذكورة.. ذكر حال المتقين، وما أعده لهم من الخير، فقال: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ما يوجب سخطه من الكفر والمعاصي ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ سبحانه وتعالى في الدار الآخرة ﴿جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ الخالص الذي لا يشوبه كدر، ولا ينغّصه خوف زوال. وذكر (٢) ﴿عِنْدَ﴾ للتشريف والتكريم، وذلك لأنه لا ملك فيها حقيقة ولا صورة إلا لله تعالى، فكأنها حاضرة عنده تعالى يتصرف فيها كيف يشاء، وإلا فمحال كون عندية الجنة بالنسبة إلى الله تعالى مكانيةً، وهي ظرف معمول للاستقرار الذي تعلق به للمتقين.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon