بعضًا كالتقابل، وقد يستعمل أيضًا في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن سؤال، قال الله تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٥٠) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١)﴾ الآية، وهذا يدل على أنه التحدث. انتهى.
وقرأ الجمهور: ﴿يَتَسَاءَلُونَ﴾، وقرأ عبد الله وابن جبير: ﴿يَسَّاءلون﴾ بغير تاء وشد السين، وأصله ﴿يتساءلون﴾ بالتاء، فأدغمت التاء في السين.
٢ - ثم ذكر سبحانه تساؤلهم عن ماذا، وبيَّنه فقال: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢)﴾ والنبأ: الخبر الذي له شأن وخطر، وهو جواب وبيان لشأن المسؤول عنه، كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون؟ هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب: عن النبأ العظيم الخارج عن دائرة علوم الخلق يتساءلون على منهاج قوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.
والفائدة في أن يذكر السؤال ثم أن يذكر الجواب معه (١): كون هذا الأسلوب أقرب إلى التفهيم والإيضاح، فـ ﴿عَنْ﴾ متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعةً إلى البيان، ومراعاة لترتيب السؤال، فإن الجار فيه مقدم على متعلقه.
وقيل: ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢)﴾ استفهام آخر بمعنى: أعن النبأ العظيم، أم عن غيره؟ إلا أنه حذف منه حرف الاستفهام لدلالة المذكور عليه، ونظيره قوله تعالى: ﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾؛ أي: أهم الخالدون؟
٣ - ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)﴾ وصف النبأ بعد وصفه بـ ﴿الْعَظِيمِ﴾ تأكيدًا لخطره إثر تأكيد، وإشعارًا بمدار السؤال عنه، فهو متصف بالعُظم، ومتصف بوقوع الاختلاف فيه، ﴿فِيهِ﴾ متعلق بـ ﴿مُخْتَلِفُونَ﴾ قدم عليه اهتمامًا به ورعايةً للفواصل، وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات في الاختلاف فيه؛ أي هم راسخون في الاختلاف فيه، فمن جازم باستحالته يقول: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧)﴾ ومن مقر يزعم أن آلهته تشفع له، كما قالوا ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾، ومن شاكٍ يقول: ﴿مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon