ورسله من السفارة، وهو السعي بين القوم
١٦ - ﴿كِرَامِ﴾ عند الله تعالى بالقرب والشرف، فهو من الكرامة جمع كريم، أو متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم، فهو من الكرم ضد اللؤم. وقال ابن عطاء رحمه الله: يريد أنهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا مع زوجته للجماع، وعند قضاء الحاجة، يشير إلى أنهم هم الملائكة الموصوفون بقوله: ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١)﴾، وفيه تأمل. ﴿بَرَرَةٍ﴾؛ أي: أتقياء مطيعين لربهم، صادقين في إيمانهم، من بر في يمينه جمع بار، مثل: فجرة وفاجر، وكفرة وكافر.
١٧ - وقوله: ﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ﴾ دعاء (١) عليه بأشنع الدعوات، فإن القتل غاية شدائد الدنيا وأفظعها، ومن فسر القتل باللعن.. أراد به الإهلاك الروحاني، فإنه أشد العقوبات؛ أي: لعن الإنسان الكافر، وفي "عين المعاني": عذب، والمراد به: عتبة بن أبي لهب، وقيل: المراد بالإنسان من تقدم ذكره في قوله: أما من استغنى، وقيل: المراد به: الجنس، وهذا هو الأولى، فيدخل تحته كل كافر شديد الكفر، ويدخل تحته من كان سببًا لنزول الآية دخولًا أوليًا ﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾؛ أي: ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه، وهذا تعجب من إفراطه في الكفران؛ أي: على صورته، فإن حقيقة التعجب إنما تتصور من الجاهل بسبب ما خفي عليه من سبب الشيء، والذي أحاط علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك، فهو في الحقيقة تعجب من الله وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه؛ أي: اعجبوا من كفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه، وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك، قال بعضهم: لعن الله الكافر، وعظم كفره؛ حيث لم يعرف صانعه، ولم يعرف نفسه التي لو عرفها.. عرف صانعها.
وقال ابن الشيخ: هذا الدعاء وارد على أسلوب كلام العرب، فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسؤوه، وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته؛ لأنه تعالى منزه عن العجز والجهل، بل المقصود بإيراد ما هو في صورة الدعاء: الدلالة على سخطه العظيم، والتنبيه على أنه استحق أهوال العقوبات وأشنعها، وبإيراد صيغة التعجب الذم البليغ له من حيث ارتكابه أقبح القبائح، ولا شك أن السخط يجوز من الله، وكذا الذم.