لأنه عام للإنس والجن على المعنى الثاني، وللحيوانات أيضًا على المعنى الأول، قال ابن عطاء: يسر على من قدر التوفيق طلب رشده، واتباع نجاته. وقال أبو بكر بن طاهر: يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه.
٢١ - ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ﴾؛ أي: قبض روحه عند تمام أجله المقدر المسمى ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾؛ أي: جعله في قبر يوارى فيه تكرمة له، ولم يدعه مطروحًا على وجه الأرض جزرًا؛ أي: قطعًا للسباع والطير كسائر الحيوان. قال في "كشف الأسرار": لم يجعله مما يطرح للسباع، أو يلقى للنواويس، والقبر مما يكرم به المسلمون. انتهى. يقال: قبر الميت إذا دفنه بيده، والقابر: هو الدافن، ومنه قول الأعشى:

لَوْ أَسْنَدَتْ مَيْتًا إِلَى صَدْرِهَا عَاشَ وَلَمْ يُنْقَل إِلَى قَابِرِ
والقبر: هو مقر الميت، وأقبره إذا أمر بدفنه، أو مكن منه. فالمقبر هو الله سبحانه؛ لأنه الامر بالدفن في القبور. قال في "المفردات": أقبرته جعلت له مكانًا يقبر فيه، نحو: أسقيته جعلت له ماء يستقي منه. وقيل: معناه: ألهم كيف يدفن. انتهى.
وعد الإماتة من النعم بالنسبة إلى المؤمن (١)، فإن بالموت يتخلص من سجن الدنيا، وأيضًا إن شأن الموت أن يكون تحفة ووصلة إلى الحياة الأبدية، والنعيم المقيم، وإنما كان مفتاح كل بلاء ومحنة في حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات أعماله.
وفي بعض التفاسير: ذكر الإماتة؛ إما لأنها مقدمة الإقبار، وإما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية اخرها الموت. وعن الشافعي رحمه الله تعالى:
فَلَا تَمْشِيَنْ فِيْ مَنْكِبِ الَأرْضِ فَاخِرًا فَعَمَّا قَلِيْلٍ يَحْتَوِيْكَ تُرَابُهَا
٢٢ - وإما للحث على الاستعداد، وإما لرعاية المقابلة بينه وبين ﴿أنشره﴾ تنبيهًا على كمال قدرته، وتمام حكمته. ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ﴾ سبحانه وتعالى إنشاره وإحياءه وبعثه ﴿أَنْشَرَهُ﴾ وأحياه وبعثه؛ أي: وإذا جاء الوقت الذي شاء الله تعالى، وهو يوم القيامة أنشره، وفي تعليق (٢) الإنشار بمشيئته له إيذانٌ بأن وقته غير متعين في نفسه، بل هو
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon