الأقوم، ولا يزال يرتكب ما نهي عنه، ويترك ما أمر به.
٢٤ - ثم شرع سبحانه في تعداد نعمه على عباده ليشكروها، وينزجروا عن كفرانها بعد ذكر النعم المتعلِّقة بحدوثه، فقال: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤)﴾؛ أي: فلينظر كيف خلق الله طعامه الذي جعله سببًا لحياته، وكيف هيأ له أسباب المعاش يستعد بها للسعادة الآخروية. قال مجاهد: معناه: فلينظر الإنسان إلى طعامه؛ أي: إلى مدخله ومخرجه، والأول أولى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فلينظر الإنسان إلى طعامه؛ ليعلم خسة قدره وفناء عمره. وفي الحديث: "إن مطعم ابن آدم جعله الله مثلًا للدنيا، وإن قَزَحه ومَلَحه، فانظر إلى ماذا يصير". يقال: قزح القدر: جعل التابل فيها، وهو كصاحب وهاجر، إبراز الطعام، وملحها: جعل الملح فيها.
والمعنى: أي فليتدبر الإنسان شأن نفسه، وليفكر في أمر طعامه وتدبيره وتهيئته حتى يكون غذاءً صالحًا تقوم به بنيته، ويجد في تناوله لذة تدفعه إليه ليحفظ بذلك قوته مدى الحياة التي قدرت له،
٢٥ - وقد فصل ذلك بقوله: ﴿أَنَّا صَبَبْنَا﴾ وأنزلناه ﴿الْمَاءَ﴾؛ أي: الغيث: وهو المطر المحتاج إليه من السحاب ﴿صَبًّا﴾ عجبًا وإنزالًا وافيًا، بعد أن بقي حينًا في جو السماء مع ثقله.
وقرأ الجمهور (١): ﴿إنا﴾ بكسر الهمزة على الاستئناف في ذكر تعداد أسباب الوصول إلى الطعام. وقرأ الكوفيون والأعرج وابن وثاب والأعمش ورويس عن يعقوب ﴿أَنَّا﴾ بفتحها على أنه بدل من طعامه بدل الاشتمال؛ لكون نزول المطر سببًا لحصول الطعام، فهو كالمشتمل عليه، فالثاني مشتمل على الأوّل؛ إذ لا يلزم فيه أن يكون المبدل منه مشتملًا على البدل، فحينئذٍ العائد محذوف، والتقدير: أنا صببنا له الماء.
والمعنى عليه: فلينظر الإنسان إلى أنا صببنا الماء صبًا.
وقرأ الحسن بن علي رضي الله عنهما (٢): ﴿أنى﴾ بالفتح، والإمالة على معنى: فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء.
٢٦ - ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ﴾ بالنبات الخارج منها بسبب نزول المطر ﴿شَقًّا﴾ بديعًا لائقًا
(٢) البحر المحيط.