أحدًا بمواساة أحدٍ، ولا بالالتفات إليه مهما يكن عطفه عليه، واتصاله به.. أردفه ببيان أن الناس في ذلك اليوم سعداء وأشقياء، وأشار إلى الأولين بقوله: ﴿وُجُوهٌ﴾ كثيرة، وهو مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض التفصيل ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ يفر المرء من أقربائه، وهو ظرف مضاف لمثله، والتنوين عوض عن الجملة المحذوفة كما قدرنا متعلق بقوله: ﴿مُسْفِرَةٌ﴾؛ أي: مضيئة متهللة، وهو خبر المبتدأ، وقول "الشوكاني" وغيره هنا: الظرف متعلق بـ ﴿وُجُوهٌ﴾.. غير صواب؛ لأن الوجوه جمع وجه، وهو من أسماء الأعيان التي ليست فيها رائحة الفعل، فكيف يتعلق به الجار والمجرور، ومعنى ﴿مُسْفِرَةٌ﴾ مشرقة مضيئة، من: أسفر الصبح إذا أضاء، وهو من الأفعال اللازمة، وهي وجوه المؤمنين؛ لأنهم قد علموا إذ ذاك ما لهم من النعيم والكرامة. قال الضحاك: مسفرة من آثار الوضوء، وقيل: من قيام الليل. وفي الحديث: "من كثرت صلاته بالليل.. حسن وجهه بالنهار"، وقيل: من طول ما اغبرت في سبيل الله.
٣٩ - ﴿ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)﴾ بما تشاهده من النعيم المقيم، والبهجة الدائمة، وفي بعض (١) التفاسير ﴿ضَاحِكَةٌ﴾؛ أي: مسرورة فرحة لما علموا من الفوز والسعادة، أو لفراغهم من الحساب بالوجه اليسير ﴿مُسْتَبْشِرَةٌ﴾؛ أي: ذات بشارة بالخير، فكأنه بيان لقوله: ﴿ضَاحِكَةٌ﴾ انتهى. وهما خبران آخران لـ ﴿وُجُوهٌ﴾، وفي "عين المعاني": ضاحكة من مسرة العين، مستبشرة من مسرة القلب، يقول الفقير: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨)﴾ لابيضاضها في الدنيا بالتزكية والتصفية، وزوال كدوراتها ﴿ضَاحِكَةٌ﴾؛ لأنها بكت في الله أيام دنياها حتى صارت عمياء عن رؤية ما سوى الله تعالى مطلقًا، كما وقع لشعيب ويعقوب عليهما السلام. ﴿مُسْتَبْشِرَةٌ﴾ لأمنها بدل خوفها في الدنيا، ولذا قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ بأن تقول لهم الملائكة: لا تخافوا وأبشروا بالجنة والرؤية. والضحك: هو انبساط الوجه وتكشر الأسنان من سرور النفس، ولظهور الأسنان عنده.. سميت مقدمة الأسنان ضواحك، ويستعمل في السرور المجرد كما في الآية.
والمعنى (٢): أي وجوه يومئذٍ متهللة ضاحكة فرحة بما تجد من برد اليقين بأنها

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon