بالتشديد.
٦ - ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (٦)﴾؛ أي: أوقدت فصارت نارًا تضطرم، من سجر التنور: إذا ملأه بالحطب ليحميه. ووجه الإيقاد: أن جهنم في قعور البحار، وتحت أطباق الأرض، إلا أنها الآن مطبقة لا يصل أثر حرارتها إلى ما فوقها من البحار؛ ليتيسر انتفاع أهل الأرض بها، فإذا انتهت مدة الدنيا.. يرفع الحجاب، فيصل تأثير تلك النيران إلى البحار، فتسخن فتصير حميمًا لأهل النار، أو تبعث عليها ريح الدبور، فتنفخها وتضرمها، فتصير نارًا على ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما في وجه الإيقاد، فالمراد (١) من تسجيرها: إضرامها نارًا، فإن ما في باطن الأرض من النار يظهر بتشققها، وتمزق طبقاتها العليا، وحينئذٍ يصير الماء بخارًا، ولا يبقى إلا النار.
وقد أثبت البحث العلمي غليان البراكين، وهي جبال النار التي في باطن الأرض، وتشهد لذلك الزلازل الشديدة التي تشق الأرض والجبال في بعض الأطراف، كما ظهر في مسِّينا بإيطاليا سنة (١٩٠٩ م)، وحدث في اليابان بعد ذلك، وفي جاوا، وفي أغادير بالمغرب، وفي تركيا وإيران وجيانا، وجاء في بعض الأخبار: إن البحر غطاء جهنم، وقال الفراء: معنى سجرت: ملئت بأن صارت بحرًا واحدًا وكثر ماؤها
ووجه الامتلاء (٢): أن الجبال تندك وتفرق أجزاؤها، وتصير كالتراب الهائل الغير المتماسك، فلا جرم تنصب أجزاؤها في أسافلها، فتمتلىء المواضع الغائرة من الأرض، فيصير وجه الأرض مستويًا مع البحار، فتصير البحار بحرًا واحدًا مسجورًا؛ أي: ممتلئًا، وبه قال الربيع بن خثيم والكلبي ومقاتل والحسن والضحاك، وقال بعضهم: ملئت بإرسال عذبها على مالحها؛ أي: فجر الزلزال ما بينها حتى اختلطت وعادت بحرًا واحدًا، ثم أسيلت حتى بلغت الثور، فابتلعها، فلما بلغت إلى جوفه نفدت، وقال الحسن: يذهب ماؤها حتى لا يبقى فيها قطرة، قال الراغب: وإنما يكون كذلك لتسجير النار فيها؛ أي: إضرامها، وقيل: معنى ﴿سُجِّرَتْ﴾: أنها صارت حمراء كالدم من قولهم: عين سجراء؛ أي: حمراء.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon