لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)}، وهذه الجملة داخلة في جواب القسم كما مر، فأقسم سبحانه بأن القرآن نزل به جبريل، وأن محمدًا - ﷺ - ليس كما يقولون من أنه مجنون، وأنه يأتي بالقرآن من جهته، وفي التعرض لعنوان المصاحبة تلويح بإحاطتهم بتفاصيل أحواله - ﷺ - خبرًا، وعلمهم بنزاهته - ﷺ - عما نسبوه إليه بالكلية، واستدلال (١) عليهم، وإقامة للحجة على كذبهم في دعواهم، فإنه إذا كان صاحبهم، وكانوا قد خالطوه وعاشروه، وعرفوا عنه ما لم يعرفه سواهم من استقامة وصدق لهجة وكمال عقل ووفور حلم، وتفوق على جميع الأنداد والأتراب في صفات الخير.. لم يكن ادعاؤهم عليه ما يناقض ذلك إلا باطلًا من القول وزورًا.
وقد استدل بهذا (٢) على فضل جبريل عليه السلام على رسول الله - ﷺ -، حيث وصف جبريل بست خصال، كل واحدة منها تدل على كمال الشرف ونباهة الشأن، واقتصر في ذكر رسول الله - ﷺ - على نفي الجنون عنه، وبين الذكرين تفاوت عظيم.
ولكن هذا الاستدلال ضعيف؛ إذ المقصود هنا: رد قول الكفرة في حقه - ﷺ -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ لا تعداد فضائلهما، والموازنة بينهما، على أن في توصيف جبريل بهذه الصفات بيانًا لشرف سيد المرسلين بالنسبة إليه من حيث إن جبريل مع هذه الصفات هو الذي يؤيده، ويبلغ الرسالة إليه، فأي رتبة أعلى من مرتبته بعدما ثبت أن السفير بينه وبين ذي العرش مثل هذا الملك المقرب؟.
وقال سعدي المفتي: الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة على ما يدل عليه الفاء السببية في قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾، ولا شك أن ذلك يقتضي وصف الآتي، فلذلك بولغ فيه دون وصف من أنزل عليه، فلذلك اقتصر فيه على نفي ما بهتوه. انتهى.
٢٣ - واللام في قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)﴾ موطئة للقسم؛ أي: وعزتي وجلالي لقد رأى وأبصر محمد - ﷺ - جبريل عليه السلام على صورته الأصلية بالأفق المبين؛ أي: بمطلع الشمس الأعلى من قبل المشرق، فالمراد (٣) بالأفق هنا: حيث
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.