النفخة الأولى، ومنتهاه الفصل بين الخلائق، لا أزمنة متعددة حسب تعدد كلمة ﴿إِذَا﴾، وإنما كررت ﴿إذا﴾ لتهويل ما في حيزها من الدواهي. فالمراد (١): العلم التفصيلي الذي يحصل عند قراءة الكتب والمحاسبة، وأما العلم الإجمالي: فيحصل في أول زمان البعث والحشر؛ لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة في أول الأمر، قال ابن الشيخ في "حواشيه": العلم بجميع ذلك كناية عن المجازاة عليه، والمقصود من الكلام: الزجر عن المعصية، والترغيب في الطاعة.
والمعنى (٢): أي إذا انشقت السماء وتغير نظامها، فلم يبق نظام الكواكب على ما نرى عند خراب هذا العالم بأسره، وسقطت الكواكب والنجوم وتفرقت، وهذا يجيء تاليًا لما قبله، إذ متى انشقت السماء، وانتقض تركيبها، واختل نظامها.. انتشرت كواكبها، وفجرت البحار، وأزيل ما بينها من حواجز، فاختلط عذبها بملحها، وفاضت على سطح الأرض حينًا من الدهر؛ لاضطراب الأرض وزلزالها الشديد، ووقوع الخلل في جميع أجزائها، وبعثرت القبور، وقلب أسفلها أعلاها، وباطنها ظاهرها، ليخرج من فيها من الموتى أحياءً.. علم كل أحد ما قدم لنفسه من عمل، ولم يقصر فيه، وعلم ما أخره وتكاسل عن أدائه.
والخلاصة: أن هذا العالم تزول صفاته وتتبدل أحواله، فتكون الأرض غير الأرض، والسماء غير السماء، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾،
٦ - وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ يعم جميع (٣) العصاة، ولا خصوص له بالكفار؛ لوقوعه بين المجمل ومفصله؛ أي: بين ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ...﴾ إلخ، وبين ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ﴾ إلخ، وأما قوله: ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ فمن قبيل قولهم: بنو فلان قتلوا زيدًا، إذا كان القاتل واحدًا منهم. قال الإِمام السهيلي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ يريد أمية بن خلف، ولكن اللفظ عام يصلح له ولغيره. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، أو الأسد بن كلدة الجمحي، قصد النبي - ﷺ - في بطحاء مكة، فلم يتمكن منه، فلم يعاقبه الله على ذلك.
وفي "زهرة الرياض": ضرب على يافوخ النبي - ﷺ -، فأخذه رسول الله - ﷺ -،
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.