فيه، وذكر أن الفجار قد أعد لهم كتاب أحصيت فيه جميع أعمالهم ليحاسبوا بها، فويل للمكذبين بيوم الجزاء، وما يكذب به إلا كل من تجاوز حدود الدين، وانتهك حرماته، وإذا تليت عليهم آيات القران قالوا: ما هي إلا أقاصيص الأولين نقله محمد عن السابقين، وليست وحيًّا يوحى كما يدعي.
قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) أنهم قالوا: إن القرآن أساطيرُ الأولين، وليس وحيًّا من عند الله تعالى.. أردف ذلك ببيان أن الذي جرأهم على ذلك هي أفعالهم القبيحة التي مرنوا عليها، فعميت عليهم وجوه الآراء حتى صاروا لا يميزون بين الأسطورة والحجة الدامغة، ثم رد عليهم فرية كانوا يقولونها ويكثرون من تردادها، وهي: إن كان ما يحدث به محمد صحيحًا.. فنحن سنكون في منزلة الكرامة عند ربنا، فأبان لهم أنهم كاذبون، فإنهم سيطردون من رحمته ولا ينالون رضاه، ثم يؤمر بهم إلى النار فيدخلونها ويصلون سعيرها، ويقال لهم: هذا العذاب جزاء ما كنتم به تكذبون مما أوعدكم به الرسول.
قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال الفجار وحال المطففين، وبيَّن منزلتهم عند الله يوم القيامة.. أتبعه بذكر حال الأبرار الذين آمنوا بربهم، وصدقوا رسولهم فيما جاء به عن خالقهم، وعملوا الخير في الحياة الدنيا، فذكر أن الله قد أحصى أعمالهم في كتاب مرقوم اسمه: عليون، يشهده المقربون من الملائكة، وبعدئذٍ عدد ما ينالون من الجزاء على البر والإحسان، وفي ذلك ترغيب في الطاعة، وحفز لعزائم المحسنين ليزدادوا إحسانًا، ويدعوا الطرق المشتبهة الملتبسة، ويقيموا على الطريق المستقيم.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ...﴾ إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر النعيم الذي هيأه للذين آمنوا به وبرسوله، وعملوا بما كلفهم به من أعمال البر، وأرشد إلى ما أعده للفجار جزاء ما اجترحوا من السيئات.. أخذ يبين ما كان الكفار يقابلون به

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon