قال الراغب: يقال: طفف الكيل إذا قلل نصيب المكيل له في إيفائه واستيفائه. وقال سعدي المفتي: والظاهر: أن بناء التفعي للتكثير؛ لأن البخس لما كان من عادتهم.. كانوا يكثرون التطفيف، ويجوز أن يكون للتعدية. انتهى.
وروي: أن رسول الله قدم المدينة، وكان أهلا من أبخس الناس كيلًا، فنزلت، فخرج فقرأها عليهم وقال: "خمس بخمس، ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنيين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر"؛ فعملوا بموجبها، وأحسنوا الكيل، فهم أوفى الناس كيلًا إلى اليوم. قال مكي بن أبي طالب (١): والمختار في ﴿وَيْلٌ﴾ وشبهه إذا كان غير مضاف: الرفع، ويجوز النصب، فإن كان مضافًا أو معرفًا.. كان الاختيار فيه النصب نحو قوله تعالى: ﴿وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا﴾، والمرافى بالويل هنا: شدة العذاب، أو نفس العذاب، أو الشر الشديد - كما مر - أو هو وادٍ في جهنم.
ومعنى الآية: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١)﴾؛ أي: عذاب، (٢) وخزي شديد يوم القيامة لمن يطفف وينقص في المكيال والميزان، وقد خص سبحانه المطففين بهذا الوعيد من قبل أنه كان فاشيًا منتشرًا بمكة والمدينة، فكانوا يطففون المكيال ويبخسونه، ولا يوفون حق المشتري.
روي: أنه كان بالمدينة رجل يقال له: أبو جهينة، له كيلان، أحدهما كبير، والآخر صغير، فكان إذا أراد أن يشتري من أصحاب الزروع والحبوب والثمار.. اشترى بالكيل الكبير، وإذا باع للناس.. كال للمشتري بالكيل الصغير. وهذا الرجل وأمثاله ممن امتلأت نفوسهم بالطمع، واستولى على نفوسهم الجشع، هم المقصودون بهذا الوعيد الشديد، وهم الذين توعدهم النبي - ﷺ - وتهددهم بقوله "خمس بخمس" كما مر آنفًا.
٢ - وقد بين سبحانه عمل المطففين الذين استحقوا عليه هذا الوعيد بقوله:

(١) الشوكاني
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon