خصوصية المأخوذ والمعطى. قال أبو عثمان رحمه الله: حقيقة هذه الآية عندي: هو من يحسن العبادة على رؤية الناس ويسيء إذا خلا.
والمعنى (١): أي إذا كان لهم عند الناس حق في شيء من المكيلات.. لم يقبلوا أن يأخذوه إلا وافيًا كاملًا، وإذا كان لأحد عندهم شيء، وأرادوا أن يؤدوه له.. أعطوه ناقصًا غير وافٍ، وكما يكون التطفيف في الكيل والميزان.. يكون في أشياء أخرى، فمن استأجر عاملًا، ووقف أمامه يراقبه، ويطالبه بتجويد عمله، ثم إذا كان هو عاملًا أجيرًا لم يراقب ربه في العمل، ولم يقم به على الوجه الذي ينبغي أن يقوم به.. يكون واقعًا تحت طائلة هذا الوعيد، مستوجبًا لأليم العذاب مهما يكن عمله، جلَّ، أو حقر، وإذا كان هذا الإنذار للمطففين الراضين بالقليل من السحت، فما ظنك بأولئك الذين يأكلون أموال الناس بلا كيلٍ ولا وزن، بل يسلبونهم ما بأيديهم، ويغلبونهم على ثمار أعمالهم، فيحرمونهم التمتع بها اعتمادًا على قوة الملك، أو نفوذ السلطان، أو باستعمال الحيل المختلفة. لا جرم أن هؤلاء لا يحسبون إلا في عداد الجاحدين المنكرين ليوم الدين، وإن زعموا بألسنتهم أنهم من المؤمنين المخبتين.
٤ - ثم هول في شأن هذا العمل وخوفهم، فقال: ﴿أَلَا يَظُنُّ﴾ ويوقن ﴿أُولَئِكَ﴾ المطففون الموصوفون بذلك الوصف الشنيع الهائل ﴿أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾
٥ - لمجيء ﴿يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ لا يُقادَر قدر عظمه، وقدر عظم ما فيه من الأهوال، ومحاسبون فيه على مقدار الذرة والخردلة، والظن هنا (٢): بمعنى اليقين، أي: لا يوقنون ذلك، ولو أيقنوا ما نقصوا الكيل والوزن، وقيل: الظن على بابه.
والمعنى: إن كانوا لا يستيقنون البعث.. فهلا ظنوه حتى يتدبروا فيه، وببحثوا عنه، ويتركوا ما يخشون من عاقبته، فإن من يظن ذلك وإن كان ظنًا ضعيفًا في حد الشك والوهم.. لا يتجاسر على أمثال هاتيك القبائح، فكيف بمن يتيقنه؟ فذكر الظن للمبالغة في المنع عن التطفيف، وإلا فالمؤمن لا يكفي له الظن في أمر البعث والمحاسبة، بل لا بد من الاعتقاد الجازم.
و ﴿أَلَا﴾ (٣) هنا ليست هي التي للتنبيه؛ لأن ما بعد حرف التنبيه مثبت، وهنا
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.