قرب المكانة والكرامة، ويحفظونه من الضياع، وقيل: يشهدون بما فيه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وقال وهب وابن إسحاق (١): المقربون هنا: إسرافيل، فإذا عمل المؤمن عمل البر.. صعدت الملائكة بالصحيفة، ولها نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض، حتى تنتهي بها إلى إسرافيل، فيختم عليها. قال في "فتح الرحمن": هم سبعة أملاك من مقربي السماء، من كل سماء ملك مقرب، فيحضر ذلك الكتاب المرقوم، ويشيعه حتى يصعد به إلى حيث شاء الله تعالى، ويكون هذا في كل يوم. وبهذا (٢) تبين سر ترك الظاهر بأن يقال: طوبى يومئذ للمصدقين، في مقابلة: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠)﴾؛ لأن الإخبار بحضور الملائكة تعظيمًا وإجلالًا يفيد ذلك مع زيادة، فختم كل واحد بما يصلح سواه مكانه.
والمعنى (٣): أي أن كتابهم في هذا السجل الكبير الذي يشهده المقربون من الملائكة، فكما وكل سبحانه أمر اللوح المحفوظ إليهم.. وكل إليهم حفظ كتاب الأبرار، وقد يكون المراد أنهم ينقلون ما في تلك الصحائف إلى ذلك الكتاب.
٢٢ - وبعد أن بين منزلة كتاب الأبرار.. أي: يفصل حال الأبرار، فقال: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ﴾؛ أي: إن السعداء الأتقياء عن درن صفات النفوس ﴿لَفِي نَعِيمٍ﴾؛ أي: لفي تنعم عظيم لا يقادر قدره،
٢٣ - ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة:
أولها: قوله: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾؛ أي: على الأسرة في الحجال، ولا يكاد تطلق الأريكة على السرير عندهم إلا عند كونه في الحجلة: وهو - بالتحريك - بيت العروس، يزين بالثياب والأسرَّة والستور، والجار والمجرور في قوله: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ يجوز أن يكون خبرًا بعد خبر لـ ﴿إنَ﴾، وأن يكون حالًا من المنوي في الخبر، أو من فاعل ﴿يَنْظُرُونَ﴾، والتقديم حينئذٍ لرعاية فواصل الآي، وجملة قوله: ﴿يَنْظُرُونَ﴾ يجوز (٤) أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالًا، إما من المنوي في الخبر، أو في الظرف؛ أي: ناظرين، وحذف مفعول ﴿يَنْظُرُونَ﴾ للتعميم؛ أي: ينظرون ما شاؤوا مد أعينهم إليه من رغائب مناظر الجنة، وإلى ما أولاهم من النعمة والكرامة، وكذا إلى أعدائهم يعذبون في النار، وما تحجب الحجال أبصارهم عن الإدراك

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon