غَمًّا بِغَمٍّ} على الاستعارة والتثويب في القرآن لم يجيء إلا في المكروه نحو: ﴿هَلْ ثُوِّبَ...﴾ إلخ. انتهى. وفي "القاموس": التثويب: التعويض. انتهى. والمراد بـ ﴿مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾: استهزاؤهم بالمؤمنين، وضحكهم منهم، وهو صريح في أن ضحك المؤمنين منهم في الآخرة إنما هي جزاء لضحك الكافرين منهم في الدنيا.
والمعنى: يقول الله سبحانه، أو تقول الملائكة: هل ثوب؛ أي: قد ثوب الكفار، وجوزوا على ما كانوا يفعلون بالمؤمنين من استهزائهم، والضحك منهم، وهذا على سبيل التهكم، كأنه تعالى يقول للمؤمنين: هل جازينا للكفار على عملهم الذي كان من جملته ضحكهم بكم، واستهزاؤهم بشريعتكم، كما جازيناكم على أعمالكم الصالحة، فيكون هذا زائدًا على سرورهم، كذا في "المراح"، وعبارة القرطبي هنا: ومعنى ﴿ثُوِّبَ الْكُفَّارُ﴾؛ أي: هل جوزوا على سخريتهم في الدنيا بالمؤمنين إذا فعل بهم ذلك، فالجواب: نعم.
وفيه تسلية للمؤمنين (١) بأنه ينقلب الحال، ويكون الكفار مضحوكًا منهم، وتعظيم لهم، فإن إهانة الأعداء تعظيم للأولياء، والله ينتقم لأوليائه من أعدائهم، فإنه يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الجريء لجروه. وعلم منه أن الضحك والاستهزاء والسخرية والغمز من الكبائر، فالخائض فيها من المجرمين الملحقين بالمشركين، نسأل الله سبحانه السلامة من غضبه وسخطه، وقيل: الجملة في محل نصب بـ ﴿يَنْظُرُونَ﴾ معلقًا عنها بالاستفهام بعد إسقاط حرف الجر الذي هو: إلى.
والمعنى: أنهم ينظرون ليتحققوا هل جوزي الكفار بما كانوا يفعلون بهم في الدنيا، وقيل: منصوبه بقول وقع حالًا من فاعل ﴿يَنْظُرُونَ﴾؛ أي: على الأرائك ينظرون حال كونهم قائلين: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)﴾؛ أي: يقول المؤمنون ذلك بعضهم لبعض، والله أعلم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿هَلْ ثُوِّبَ﴾ بإظهار لام ﴿هَلْ﴾، وقرأ النحويان: أبو عمر والكسائي حمزة وابن محيصن بإدغامها في الثاء المثلثة، وفي قوله: ﴿مَا كَانُوا﴾..
(٢) البحر المحيط.