واحد بعينه، كأنه قيل: يا فلان ويا فلان إلى غير ذلك، ﴿إِنَّكَ كَادِحٌ﴾؛ أي (١): جاهد ومجد؛ أي: ساع باجتهاد ومشقة وكد ﴿إِلَى﴾ لقاء ﴿رَبِّكَ﴾؛ أي: إلى وقت لقائه، وهو الموت وما بعده من الأحوال الممثلة باللقاء مبالغ في ذلك، وفي الخبر: أنهم قالوا يا رسول الله، فيما نكدح، وقد جفت الأقلام، ومضت المقادير، فقال: "اعملوا، فكل ميسر لما خلق له"، وقوله: ﴿كَدْحًا﴾؛ أي: اجتهادًا بليغًا، مصدر مؤكد للوصف؛ أي: إنك مجتهد وساع في أشغالك من غير فرق بين أن يكون ذلك الشغل خيرًا أو شرًا؛ أي: مجتهد اجتهادًا بليغًا، وساع سعيًا شديدًا من غير فترة إلى لقاء ربك؛ أي: إلى انقضاء أجلك لا فراغ لك؛ أي: إنك مشغول بعملك مدة حياتك ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾ معطوف على ﴿كَادِحٌ﴾: أي: فملاقٍ له؛ أي: لجزاء عملك من خير أو شر عقيب لقاء ربك لا محالة، من غير صارف يلويك عنه، ولا مفر لك منه، ويقال: المعنى: إنك عامل لربك عملًا فملاقٍ عملك يوم القيامة، يعني: أن جدك وسعيك إلى مباشرة الأعمال في الدنيا هو في الحقيقة سعي إلى لقاء جزائها في العقبى، فملاق ذلك الجزاء لا محالة، فعليك أن تباشر في الدنيا بما ينجيك في العقبى، واحذر عما يهلكك فيها، ويوقعك في الخجالة والافتضاح من سوء المعاملة، وفي الحديث: "النادم ينتظر الرحمة، والمعجب ينتظر المقت، وكل عامل سيقدم إلى ما أسلف".
قال القتيبي: معنى الآية: إنك كادح؛ أي: إنك عامل ناصب في طلب معيشتك وكسبك عملًا شديدًا لا فترة فيه إلى لقاء ربك بالموت فملاقيه؛ أي: فأنت ملاقٍ ربك بعملك، فمجازيك عليه خيرًا أو شرًا، وقيل: فملاق كتاب عملك؛ لأن العمل قد انقضى؛ أي (٢): إنك يا ابن آدم متعب نفسك في العمل في دنياك تعبًا حتى ترجع به إلى ربك في الآخرة، فملاق ذلك العمل خيرًا كان أو شرًا في الكتاب الذي فيه بيانه.
وحاصل المعنى (٣): أي أيها الإنسان إنك عامل في هذه الحياة، ومجد في
(٢) المراح.
(٣) المراغي.