المؤمنين، ووعدًا لعباده الصالحين، وحملًا لهم على الصبر والمجاهدة في سبيله، ووعيدًا للكافرين، وأنه سيحل بهم مثل ما حل بمن قبلهم: ﴿سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ﴾ ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر قصة أصحاب الأخدود وبيَّن ما فعلوه من الإيذاء والتنكيل بالمؤمنين، وذيل ذلك بما يدل على أنه لو شاء لمنع بعزته وجبروته أولئك الجبابرة عن هؤلاء المؤمنين، وأنه إنْ أمهل هؤلاء الفجرة عن العقاب في الدنيا.. فهو لم يهملهم، بل أجَّل عقابهم ليوم تشخص فيه الأبصار.. ذكر ما أعد للكفار من العذاب الأليم جزاء ما اجترحت أيديهم من السيئات التي منها إيذاء المؤمنين، وما أعد للمؤمين من جميل الثواب، وعظيم الجزاء.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ووصف ما أعد لهم من الثواب كفاء أعمالهم.. أردف ذلك كله بما يدل على تمام تدرته على ذلك؛ ليكون ذلك بمثابة توكيد لما سبق من الوعيد والوعد، فالملك لا يعظم سلطانه وهيبته في النفوس إلا بأمرين:
١ - الجود الشامل، والإنعام الكامل، وبذا يرجى خيره.
٢ - الجيوش الجرارة، والأساطيل العظيمة التي توقع بأعدائه، وتنكل بهم، وبذلك يهاب جنابه، وإليهما أشار بقوله فيما سلف: ﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾، وهنا زاد الأمر إيضاحًا، بقوله: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢)﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ...﴾ إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر قصص أصحاب الأخدود وبين حالهم، ووصف ما كان من إيذائهم للمؤمنين.. أردف ذلك ببيان أن حال الكفار في كل عصر، وشأنهم مع كل نبي وشيعته جارٍ على هذا النهج، فهم دائمًا يؤذون المؤمنين ويعادونهم، ولم يرسل الله نبيًا إلا لقي من قومه مثل ما لقي هؤلاء من أقوامهم، والغرض من هذا كله تسلية النبي - ﷺ - وصحبه، وشد عزائمهم على التذرع بالصبر، وأن كفار قومه سيصيبهم مثل ما أصاب الجنود فرعون وثمود.


الصفحة التالية
Icon