من النظر إليه، ومنهم من لا يستفيد من ذلك شيئًا.
وقصارى ذلك: أنه سبحانه وتعالى أقسم بالعوالم كلها ليلفت الناظرين إلى ما فيها من العظم والفخامة، وليعتبروا بما حضر، ويبذلوا جهدهم في درك حقيقة ما استتر.
٤ - وقوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤)﴾؛ أي: لعنوا وأخذوا، ونزل بهم نكال الدنيا، وعذاب الآخرة، جواب القسم، واللام فيه مضمرة؛ أي: أقسمت بهؤلاء المذكورات على أن أصحاب الأخدود لعنوا وطردوا وأبعدوا من رحمة الله تعالى بسبب ما فعلوه من تعذيب المؤمنين، وهذا هو الظاهر، وبه قال الفراء وغيره، وقيل: أصله: لقد قتل أصحاب الأخدود؛ فحذفت اللام وقد، وعلى هذا تكون الجملة خبرية، والأظهر أن الجملة دعائية دالة على الجواب، لا خبرية، والجواب محذوف تقديره: أقسم بهذه الأشياء على أن كفار قريش ملعونون، كما لعن أصحاب الأخدود. وقيل: تقدير الجواب: لتبعثن، واختاره ابن الأنباري.
وإنما احتيج إلى حذف اللام وقد؛ لأن المشهور عند النحاة: أن الماضي المثبت المتصرف إذا وقع جوابًا للقسم.. تلزمه اللام، وقد لا يجوز الاقتصار على أحدهما إلا عند طول الكلام، كما في قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١)﴾ إلى قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)﴾، أو في ضرورة. اهـ "شهاب".
وجه الأظهرية: أن السورة وردت لتثبيت المؤمنين على الإيمان، وتصبيرهم على أذية الكفرة، وتذكيرهم بما جرى على من تقدمهم من التعذيب على الإيمان، وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم، ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم، ويعلموا أن هؤلاء عند الله بمنزلة أولئك المعذبين، ملعونون مثلهم، أحقاء بأن يقال فيهم ما قد قيل فيهم، فظهر من هذا التقرير أنه ليس دعاء على أصحاب الأخدود من قبل المقسم، وهو الله تعالى؛ لأنه ليس بعاجز، والأخدود: الخد في الأرض، وهو الشق العظيم المستطيل في الأرض كالنهر، غامض؛ أي: عميق القرار، وأصل ذلك: من خدي الإنسان، وهما ما اكتنفا الأنف على اليمين والشمال، وفي "عين المعاني": ومنه الخد لمجاري الدموع عليه، ومنه المخدة؛ لأن الخد يوضع عليها،