ذلك الجبل، ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرَّق الله الذين كانوا معه وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني، وتقول إذا رميتني: بسم الله رب الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه، فقال: بسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه، فوضع الغلام يده على موضع السهم، ثم مات، فقال الناس: لقد علم هذا الغلام علمًا ما علمه أحد، فإنا نؤمن برب هذا الغلام، فقيل للملك؛ أجزعت أن خالفك ثلاثة، فهذا العالم كلهم قد خالفوك، قال: فخد أخدودًا، ثم ألقى فيه الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال: من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار، فجعل يلقيهم في تلك الأخدود"، فقال: "يقول الله ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (٥)﴾ حتى بلغ ﴿الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ " فأما الغلام فإنه دفن، ثم أخرج، فيذكر أنه أخرج في زمان عمر بن الخطاب، وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل، ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف، وقد رواها مسلم في أواخر "الصحيح" عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب. وأخرجها أحمد عن طريق عفان عن حماد به. وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به. وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله: ﴿أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ قال: هم الحبشة. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هم ناس من بني إسرائيل، خدوا أخدودًا في الأرض أوقدوا فيه نارًا، ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالًا ونساءً، فعرضوا عليها. انتهى من "الشوكاني".
٥ - ﴿النَّارِ﴾ بدل (١) اشتمال من الأخدود؛ لأن الأخدود مشتمل على النار، وهو بها يكون مهيبًا مشتد الهول، والتقدير: النار فيه، أو أقيم أل مقام الضمير على اختلاف مذهبي أهل البصرة والكوفة. ﴿ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ صفة للنار؛ أي: صاحبة الوقود الكثيرة، وهو بفتح الواو: ما يوقد به، وفيه وصف لها بغاية العظم وارتفاع اللهب، وكثرة ما يوجبه من الحطب، وأبدان الناس ما يدل عليه التعريف الاستغراقي، ولو