وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الصَّفَاءُ لِعَاشِقٍ وَجَنَّةُ عَدْنٍ بِالْمَكَارِهِ حُفَّتِ
﴿ثُمَّ﴾؛ أي: بعدما فعلوا ما فعلوا من الفتنة ﴿لَمْ يَتُوبُوا﴾ عن كفرهم وفتنتهم، فإن ما ذكر من الفتنة في الدين لا يتصور من دين الكافر قطعًا، وفي إيراد ﴿ثُمَّ﴾: إشعار بكمال حلمه وكرمه حيث لا يعجل في القهر ويقبل التوبة، وإن طالت مدة الحوبة. قال الإِمام: وذلك يدل على أن توبة القاتل عمدًا مقبولة. ﴿فَلَهُمْ﴾ في الآخرة بسبب كفرهم، والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ولا يضر نسخه بإن خلافًا للأخفش.
﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ يعذبون به أبدًا ﴿وَلَهُمْ﴾ بسبب فتنتهم للمؤمنين ﴿عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾؛ أي: عذاب عظيم زائد في الإحراق على عذاب سائر أهل جهنم، فظهرت المغايرة بين المعطوفين، وإن كان كل منهما حاصلًا في الآخر، ويحتمل (١) أن يكون المراد بعذاب جهنم: بردها وزمهريرها، وبعذاب الحريق: حرها، فيرددون بين برد وحر، على أن يكون الحر لإحراقهم المؤمنين في الدنيا، والبرد لغيره، كما قالوا الجزاء من جنس العمل، والحريق: اسم بمعنى الاحتراق، كالحرقة.
يقول الفقير: الظاهر: أن الحريق هنا بمعنى: المحرق، كالأليم بمعنى: المؤلم، فيكون إضافة العذاب إلى الحريق، من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته، ويستفاد زيادة الإحراق من المقابلة، فإن العطف من باب الترقي بحسب العذاب المترتب على الترقي من حيث العمل.
والمعنى (٢): أي: إن الذين امتحنوا المؤمنين والمؤمنات بالتعذيب ليردوهم عن دينهم، وثبتوا على كفرهم، ولم يتوبوا حتى أخذهم الموت، أعد الله لهم عذابًا في جهنم بالحريق وقد كان الضالون من كل أمة يؤذون أهل الحق والدعاة إليه حرصًا على ما ألفوا من الباطل، وتشيعًا لما وجدوا عليه أنفسهم وآباءهم الأقربين على غير بصيرة، ولا استشارة للعقل السليم، ولا يزال هذا شأنهم إلى يوم الدين، انظر إلى أصحاب الأخدود.. تجدهم قد عرضوا المؤمنين على النار، وأحرقوهم بها، وإلى كفار قريش.. ترهم قد فتنوا المؤمنين بالكثير من الإيذاء، فعذبوا آل ياسر
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon