الوجود، ثم يميتهم ويعيدهم أحياءً بعد الموت للمجازاة على الخير والشر من غير دخل لأحد في شيء منهما، ففيه مزيد تقدير لشدة بطشه، ومن كان قادرًا على الإيجاد والإعادة إذا بطش كان بطشه في غاية الشدة، وبهذا ظهر التعليل بهذه الجملة لما سبق من شدة البطش. اهـ "شهاب". كذا قال الجمهور. وقيل: يبدىء البطش بالكفرة في الدنيا، ويعيده لهم في الآخرة، واختار هذا ابن جرير، والأول أولى.
والمعنى: أنه يخلق الخلق ابتداءً، ثم يعيدهم بعد أن صيَّرهم ترابًا، وإذا كان قادرًا على البدء والإعادة.. فهو قادر على شديد البطش بهم؛ لأنهم تحت قبضته، وخاضعون لسلطانه، فكأنه سبحانه يقول: إن مرجعكم إلى ربكم، فإذا لم يعاقبكم في هذه الحياة على ما تعملون مع أوليائه، فلا تظنوا أن ذلك إهمال منه أو تقصير في شأنهم، بل أخر ذلك ليوم ترجعون إليه، وهو اليوم الذي سيكون فيه البطش والانتقام منكم. وقيل: المعنى: أنه (١) يبدىء البطش والعذاب في الآخرة، ثم يعيده فيها، كقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن أهل جهنم تأكلهم النار، حتى يصيروا فيها فحمًا، ثم يعيدهم خلقًا جديدًا، فهو المراد من الآية، أو المعنى: يبدىء من التراب، ويعيده فيه، أو يبدىء من النطفة، ويعيده في الآخرة، يقال: بدأ الله الخلق وأبدأهم، فهو بادئهم ومبدئهم، بمعنى واحد، والمبدىء: المظهر ابتداءً، والمعيد: المنشىء بعدما عدم، فالإعادة ابتدأ ثانٍ. قال الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى: المبدىء المعيد: معناه: الموجد، لكن الإيجاد إذا لم يكن مسبوقًا بمثله يسمى: إبداءً، وإن كان مسبوقًا بمثله يسمى: إعادةً، والله تعالى بدأ خلق الإنسان، ثم هو الذي يعيدهم؛ أي: يحشرهم، فالأشياء كلها منه بدت، وإليه تعود، وبه بدت وبه تعود. انتهى.
قال الإِمام القشيري رحمه الله: إن الله تعالى يبدىء فضله وإحسانه لعبيده، ثم يعيده ويكرره، فإن الكريم من يرب صنائعه، وخاصية الاسم المبدىء: أن يقرأ على بطن الحامل سحرًا تسعًا وعشرين مرة، فإن ما في بطنها يثبت ولا يزلق، وخاصية الاسم المعيد: يذكر مرارًا لتذكار المحفوظ إذا نسي لا سيما إذا أضيف له الاسم