قرأ: ﴿ذي العرش﴾ بالياء، جاز في قراءته أن يكون ﴿المجيد﴾ بالخفض صفةً ﴿لذي﴾، واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور: ﴿ذُو﴾ قالا: لأن المجد هو النهاية في الكرم والفضل، والله سبحانه هو المنعوت بذلك، والأحسن جعل هذه المرفوعات أخبارًا عن ﴿هُوَ﴾، فيكون ﴿فَعَّالٌ﴾ خبرًا عنه أيضًا؛ أي: هو سبحانه.
٥ - ١٦ ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ من الإبداء والإعادة قال عطاء: لا يعجز عن شيء أراده، ولا يمنع منه شيء طلبه، وإنما قال: ﴿فَعَّالٌ﴾ بصيغة المبالغة؛ لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة من الإحياء والإماتة، والإعزاز والإذلال، والإغناء والإقتار، والشفاء والإمراض، والتقريب والتعبيد، والعمارة والتخريب، والوصل والفرق، والكشف والحجاب، وغير ذلك.
١٧ - ثم ذكر سبحانه خبر الجموع الكافرة فقال: ﴿هَلْ أَتَاكَ﴾، والجملة مستأنفة مقررة لما تقدم من شدة بطشه سبحانه، وكونه فعالًا لما يريده، وفيه تسلية لرسوله - ﷺ -، والاستفهام فيه للتقرير؛ أي: قد أتاك وجاءك يا محمد ﴿حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾؛ أي: خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائها، المتجندة عليهم في ماضي الأزمان،
١٨ - ثم بينهم فقال: ﴿فِرْعَوْنَ﴾ بدل من الجنود، مع أنه غير مطابق ظاهرًا للمبدل منه في الجمعية؛ لأن المراد بفرعون هو وقومه، ويحتمل أن يكون على حذف المضاف؛ أي: جنود فرعون ﴿وَثَمُودَ﴾ قوم صالح، معطوف على ﴿فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: قد أتاك (١) حديث هؤلاء، وعرفت ما فعلوا من التكذيب، وما فعل بهم من التعذيب، فذكر قومك بشؤون الله فيهم، وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك حين كذبوا أنبيائهم، وقد كانوا سمعوا قصة فرعون وجنوده قوم موسى عليه السلام، ورأوا آثار هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام؛ لأنها كانت في ممرهم وفي بلادهم، وقصتهم مشهورة قد تكرر في الكتاب العزيز ذكرها في غير موضع، واقتصر على الطائفتين لاشتهار أمرهما عند أهل الكتاب، وعند مشركي العرب، ألا ترى إلى زهير بن أبي سلمى وقوله:
أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أَهْلَكَ تُبَّعًا | وَأهْلَكَ لُقْمَانَ بْنَ عَادٍ وَعَادِيَا |