٦ - ثم أجاب عن الاستفهام بقوله: ﴿خُلِقَ﴾ الإنسان ﴿مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾؛ أي: مدفوق، وهي قراءة زيد بن علي؛ أي: مصبوب في الرحم، والجملة مستأنفة (١) واقعة في جواب استفهام مقدر، كأنه قيل: مم خلق؟ فقيل: خلق من ماء ذي دفق، وهو صب فيه دفع وسيلان بسرعة، يقال: دفق دفقًا - من باب نصر -: إذا سال بشدة وسرعة، وإنما أوَّل بالنسبة، نظير تامر ولابن؛ لأن الصب لا يتصور من النطفة، لظهور أنها مصبوبة لا صابة، فتوصيفه بأنه دافق لمجرد نسبة مبدأ الاشتقاق إلى ذات الموصوف به مع قطع النظر عن صدوره منه. وقال بعضهم: دافق؛ أي: مدفوق ومصبوب في الرحم، نحو سر كاتم؛ أي: مكتوم، وعيشة راضية؛ أي: مرضية، فهو فاعل بمعنى: مفعول، والمراد به: الممتزج من الماءين في الرحم، كما ينبىء عنه ما بعده في الآية، وللنظر إلى امتزاجهما عبر عنهما بصيغة الإفراد، أعني قوله: ﴿مِنْ مَاءٍ﴾، ووصف الماء الممتزج بالدافق من قبيل توصيف المجموع بوصف بعض أجزائه؛ لأن الدافق هو ماء الرجل فقط.
٧ - ﴿يَخْرُجُ﴾ ذلك الدافق الممتزج في الرحم ﴿مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ للرجل ﴿وَالتَّرَائِبِ﴾ للمرأة، والصلب: الشديد، وباعتباره سمي الظهر صلبًا؛ أي: يخرج من بين ظهر الرجل وترائب المرأة، وهي ضلوع صدرها، وعظام نحرها؛ حيث تكون القلادة، وكل عظم من ذلك تريبة.
وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم: بين الثديين، وفي "القاموس": الترائب: عظام الصدر، أو ما ولي الترقوتين منه، أو بين الثديين والترقوتين، أو أربع أضلاع من يمنة الصدر، وأربع من يسرته، أو اليدان والرجلان والعينان، أو موضع القلادة. انتهى.
ومن ذلك يتحمل الوالد مصالح معيشة الولد، وتشتد رقة الوالدة ومحبتها للولد، وإيراد ﴿بَيْنِ﴾ (٢) إشارة إلى ما يقال: إن النطفة تتكون من جميع أجزاء البدن، ولذلك يشبه الولد والديه غالبًا، فيجتمع ماء الرجل في صلبه، ثم يجري منه، ويجتمع ماء المرأة في ترائبها، ثم يجري منها، وفي "قوت القلوب": أصل المني: هو الدم يتصاعد في خرزات الصلب، وهناك مسكنه، فتنضجه الحرارة، فيستحيل
(٢) روح البيان.