كِذّاب، وعلى تفعلة، مثل؛ توصية، وعلى مُفَعَّل، مثل: ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾.
والمعنى (١): أي وكذبوا بجميع البراهين الدالة على التوحيد والنبوة والمعاد، وبجميع ما جاء في القرآن.
والخلاصة: أنهم أقدموا على جميع المنكرات، ولم يرعووا عن فعل السيئات، وأنكروا بقلوبهم الحق، واتبعوا الباطل.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿كِذَابًا﴾ بتشديد الذال مصمدر كذب المضعف، وهي لغة لبعض العرب يمانية يقولون، في مصدر فَعَّل: فِعَّالًا، وغيرهم يجعل مصدره على تفعيل، نحو: تكذيب، ومن تلك اللغة فول الشاعر:

لَقَدْ طَالَ ما ثَبَّطْتَنِيْ عَنْ صَحَابَتِيْ وَعَنْ حَاجَةٍ قِضَّاؤُهَا مِنْ شِفَائِيَا
ومن كلام أحدهم وهو يستفتي في الحج: الحلق أحب إليك أم القصار؟ يريد التقصير. وقرأ علي بن أبي طالب وعوف الأعرابي وأبو رجاء والأعمش وعيسى البصرة بخلاف عنه: كذابًا بتخفيف الذال، وذلك لغة اليمن؛ بأن يجعلوا مصدر كذب المخفف كذابًا بالتخفيف مثل؛ كتب كتابًا، فصار المصدر هنا من معنى الفعل دون لفظه، مثل أعطيته عطاء، وقال الأعشى:
فَصَدَّقْتُهَا وَكَذَّبْتُهَا وَالْمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُهْ
وقال الزمخشري: وهو مثل قوله: ﴿أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾؛ يعني: وكذبوا بآياتنا، فكذبوا كذابًا، وقرأ عمر بن عبد العزيز: ﴿كُذَّابا﴾ بضم الكاف وتشديد الذال، فخرج على أنه جمع كاذب، وانتصب على الحال المؤكدة، أو على أنه مفرد صفة لمصدر محذوف؛ أي: تكذيبًا كذابًا؛ أي: مفرطًا في التكذيب.
٢٩ - وبعد أن بين فساد أحوالهم العملية والاعتقادية.. أرشد إلى أنها في مقدارها وكيفيتها معلومة له تعالى، لا يغيب عنه شيء منها، فقال: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾؛ أي: وأحصينا كل شيء من الأشياء التي من جملتها أعمالهم، فانتصابه على الاشتغال بفعل محذوف وجوبًا يفسره قوله: ﴿أَحْصَيْنَاهُ﴾ أي: حفظناه وضبطناه. قرأ الجمهور (٣): ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾،
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon