أن تذكره إلا وأنت له خاشع معظم، ولذكره محترم. وقال الحسن: معنى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾: صلِّ له، وقيل: المعنى: صل بأسماء الله تعالى، لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية. وقيل: المعنى: ارفع صوتك بذكر ربك الأعلى، ومنه قول جرير:

قَبَّحَ الإِلَهُ وُجُوْهَ تَغْلِبَ كُلَّمَا سَبَّحَ الْحَجِيْجُ وَكَبَّرُوْا تَكْبِيْرَا
وقال ابن عباس: سبح؛ أي: صلِّ بأمر ربك الأعلى. وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)﴾.. قال رسول الله - ﷺ -: "اجعلوها في ركوعكم"، ولما نزلت: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾.. قال: "اجعلوها في سجودكم". أخرجه أبو داوود. وكانوا يقولون قبل ذلك في الركوع: اللهم لك ركعت. وفي السجود: اللهم لك سجدت. وفي هذا الحديث دلالة على أن لفظ الاسم مقحم، قاله سعدي المفتي، وعلى أن الامتثال بالأمر يحصل بأن يقول: سبحان ربي العظيم أو الأعلى، بدون قراءة النظم القرآني، ولهذا قرأ علي وابن عمر رضي الله عنهم: سبحان ربي الأعلى، الذي خلق فسوى، فإن قوله: ﴿سَبِّحِ﴾ أمر بالتسبيح، فلا بد أن يذكر ذلك التسبيح، وما هو إلا قول: سبحان ربي الأعلى.
وقيل معنى الآية (١): نزه اسم ربك عن إطلاقه على غيره تعالى بوجه يشعر بتشاركهما فيه، كان يسمى الصنم والوثن بالرب والإله، ومنه: تسمية العرب مسيلمة الكذاب برحمان اليمامة، وكذا نزه اسمه عن ذكره، لا على وجه الإعظام والإجلال، ويدخل فيه أن يذكر اسمه عند التثاؤب، وحال الغائط، وكذا بالغفلة، وعدم الوقوف على معناه وحقيقته، وكذا بالغلط في لفظه أو في تركيبه، ومنه إكثار القسم بذكر اسمه من غير مبالاة. وقال جرير في الآية: ارفع صوتك بذكر اسم ربك الأعلى، فإن ذكر المدلول إنما هو بذكر الاسم الدال عليه، وقال بعضهم: المعنى: نزه مسمى ربك؛ أي: ذاته عما يدخل في الوهم والخيال؛ لأن الاسم والمسمى هنا واحد، فظهر من هذه التقادير: أن الاسم غير مقحم، وهو الظاهر.
و ﴿الْأَعْلَى﴾ صفة للرب، وقيل: للاسم، والأول أظهر لما في الوجه الثاني من
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon