٢ - ٣ ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ معطوف على الموصول الأول؛ أي: قدر أجناس الأشياء وأنواعها، وأفرادها ومقاديرها، وصفاتها وأفعالها وآجالها، كما قال - ﷺ -: إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة"؛ أي: جعل أجناس الأشياء، وكذا أشخاص كل نوع بمقدار معلوم، وكذا جعل مقدار كل شخص في جثته وأوضاعه وسائر صفاته، كالحسن والقبح، والسعادة والشقاوة، والهداية والضلالة، والألوان والأشكال، والطعوم والروائح، والأرزاق والآجال، وغير ذلك بمقدار معلوم، كما قال: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)﴾. ﴿فَهَدَى﴾؛ أي: فوجه كل واحد منها إلى ما يصدر منه، وينبغي له طبعًا أو اختيارًا، ويسره لما خلق له بخلقه الميول، والإلهامات، ونصب الدلائل، وإنزال الآيات، ولو تتبعت أحوال النباتات والحيوانات.. لرأيت في كل منها ما يحار فيه العقول.
وقرأ الجمهور: ﴿قَدَّرَ﴾ بتشديد الدال، فاحتمل أن يكون من القدر والقضاء، واحتمل أن يكون من التقدير والموازنة بين الأشياء، وقال الزمخشري: قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه، وعرفه وجه الانتفاع به. انتهى. وقرأ الكسائي: ﴿قدر﴾ مخفف الدال من القدرة، أو من التقدير والموازنة، وهدى عام لجميع الهدايات، قال الواحدي (١): قال المفسرون: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب، فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها، وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة. وروي عنه أيضًا: أنه قال في معنى الآية: قدر السعادة والشقاوة، وهدى للرشد والضلالة، وهدى الأنعام لمراعيها، وقيل: قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنسانًا، ولمراعيهم إن كانوا وحشًا، وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها، وهداها له، وقيل: خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها. وقال السدي: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر، وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم، وقال الفراء: أي: ﴿قَدَّرَ فَهَدَى﴾ وأضل، فاكتفى بأحدهما، وفي تفسير الآية أقوال غير ما ذكرنا، والأولى عدم تعيين فرد أو أفراد مما يصدق عليه قدر فهدى إلا بدليل يدل عليه. ومع عدم

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon