تماديًا في الجحود والإنكار.. فلا تذهب نفسك عليهم حسرات حرصًا على إيمانهم، وحزنًا على بقائهم على كفرهم، وادع من تعلم أنه يجيبك ولا يجبهك ولا يؤذيك.
قال الواحدي (١): المعنى: فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع؛ لأن النبي - ﷺ - بعث مبلغًا للإعذار والإنذار، فعليه التذكير في كل حال، نفع أو لم ينفع، ولم يذكر الحالة الثانية للاكتفاء، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾؛ أي: والبرد، وقال الجرجاني: التذكير واجب، وإن لم ينفع.
والمعنى: إن نفعت الذكرى، أو لم تنفع. قال أبو حيان: والظاهر (٢) أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى، وهذا الشرط إنما يجيء به توبيخًا لقريش؛ أي: إن نفعت الذكرى في هؤلاء الطغاة العتاة، ومعناه: استبعاد انتفاعهم بالذكرى، فهو كما قال الشاعر:
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا | وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِيْ |
وقال الفراء والنحاس والزهراوي والجرجاني: معناه: فذكر وإن لم ينفع، فاقتصر على القسم الواحد لدلالته على الثاني، وقيل: ﴿إن﴾ بمعنى: إذ، كقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وقيل: بمعنى: قد، ذكره ابن خالويه، وهو بعيد جدًّا، وعبارة الرازي: واعلم (٣) أنه - ﷺ - كان مبعوثًا إلى الكل، فيجب عليه أن يذكِّرهم سواء نفعتهم الذكرى أم لم تنفعهم، والجواب عن هذا الشرط: أنه تعالى ذكر أشرف الحالتين، ونبه على الحالة الأخرى، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾، والتقدير: فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع، وأجيب عنه أيضًا: بأن التذكير العام واجب في أول الأمر، وأما التكرير.. فلعله إنما يجب عند رجاء حصول المقصود، فلهذا المعنى قيده بهذا الشرط المذكور، والتذكير المأمور به حينئذٍ هل هو محصور في عشر مرات، أو غير محصور؟ والجواب: أن الضابط فيه
(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) التفسير الكبير للرازي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) التفسير الكبير للرازي.