أشقى من الفاسق.
روي: أن من يخشى هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، والأشقى: رجل من المنافقين، وذلك أن المنافق كانت له نخلة مائلة في دار رجل من الأنصار، فسقط ثمرها في دار الأنصاري، فذكر ذلك لرسول الله - ﷺ -، فأرسل إلى المنافق، ولم يكن يعلم بنفاقه، فسأله أن يعطي النخلة للأنصاري على أن يعطيه الله نخلة في الجنة، فقال: أبيع عاجلًا بآجل؟ لا أفعل، فأعطاه عثمان رضي الله عنه حائط نخل له، فنزلت الآية، كما في "التكملة".
١٢ - ثم وصف الأشقى فيقال: ﴿الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢)﴾؛ أي: يدخل النار العظيمة الفظيعة، وهي: الطبقة السفلى من طبقات النار؛ لأنها أشد حرًا من غيرها، فالكبرى: اسم تفضيل؛ لأنه تأنيث الأكبر، والمفضل هو ما في أسفل دركات جهنم من النار التي هي نصيب الكفار، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾، والمفضل عليه ما في الدركات التي فوقها، فإن لجهنم نيرانًا، ودركات متفاضلة، كما أن في الدنيا ذنوبًا ومعاصي متفاضلة، فكما أن الكفار أشقى العصاة، كذلك يصلون أعظم النيران، وقيل: الكبرى (١): نار جهنم، والصغرى: نار الدنيا، يعني أن المفضل: نار الآخرة، والمفضل عليه: نار الدنيا؛ لقوله - ﷺ -: "ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، وقد غمست في ماء البحر مرتين ليدنى منها، وينتفع بها، ولولا ذلك ما دنوتم منها". ويقال: إنها تتعوذ بالله من جهنم، وأن ترد إليها. يقول الفقير: الظاهر أن المراد بالنار الكبرى هو العذاب الأكبر في قوله تعالى: ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)﴾، وهو عذاب الآخرة، وأما العذاب الأصغر.. فهو عذاب الدنيا، وعذاب البرزخ فإنه يصغر بالنسبة إلى عذاب الآخرة.
والمعنى: أي (٢) ويبتعد عن هذه التذكرة المعاند المصر على الجحود عنادًا واستكبارًا، وهو الذي يذوق حر النار الكبرى في دركات جهنم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾؛ إذ لا يليق بحكمة الحكيم المتعالي أن يسوي بين من اجترأ عليه وتهاون بأمره وارتكب أشنع الذنوب وأقبحها، ومن كان نقي الصحيفة ميمون النقيبة مطيعًا لأمره مؤديًا فرائضه منتهيًا عن الفحشاء والمنكر.

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon