وقال المراغي: المعنى: أي هل بلغك يا محمد نبأ يوم القيامة، وعلمت قصصه، فإننا سنعلمك شأنه الخطير، وهذا أسلوب من الكلام لا يراد منه حقيقة الاستفهام، بل يراد منه تعجيب السامع مما سيذكر بعد، وتشويقه إلى استماعه، وتوجيه فكره إلى أنه من الأحاديث التي من حقها أن تتناقلها الرواة، ويحفظها الوعاة.
٢ - ثم فصل شأن أهل الموقف في ذلك اليوم، وذكر أن أهله فريقان: فريق الكفرة الفجرة، وفريق المؤمنين البررة، وقد أشار إلى الأولين بقوله:
١ - ﴿وُجُوهٌ﴾؛ أي: وجوه من الكفرة ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ تغشى الغاشية الناس ﴿خَاشِعَةٌ﴾؛ أي: ذليلة بما يظهر عليها من أنواع الخزي والهوان، وتذوقها من أنواع العذاب، وهذا كلام مستأنف وقع جوابًا لسؤال نشأ عن الاستفهام التشويقي، كأنه قيل من جهته - ﷺ -: ما أتاني حديثها فما هو؟ فقيل: وجوه يومئذٍ إلخ، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾: ظرف لما بعده من الأخبار الثلاثة، قال أبو حيان: والتنوين عوض من الجملة، ولم تتقدم جملة تصلح أن يكون التنوين عوضًا عنها، لكن لما تقدم لفظ ﴿الْغَاشِيَةِ﴾، وأل موصولة باسم الفاعل، فتنحل للتي غشيت؛ أي: للداهية التي غشيت.. علم أن التنوين عوض عن هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها، وإلى الموصول الذي هو لفظ التي. انتهى.
أي: وجوه من الكفار يوم إذ غشيت تلك الداهية الناس خاشعة؛ أي: ذليلة بأنواع الخزي والهوان، عاملة أعمالًا شاقة في النار، كجر السلاسل، وحمل الأغلال ﴿نَاصِبَةٌ﴾؛ أي: تعبة بتلك الأعمال الشاقة، فإن الخشوع والخضوع والتطامن والتواضع كلها بمعنى، ويكنى بالجميع عما يعتري الإنسان من الذل والخزي والهوان، فـ ﴿وُجُوهٌ﴾: مبتدأ، وسوغ الابتداء، بالنكرة وقوعها في معرض التفصيل، و ﴿خَاشِعَةٌ﴾: خبره، قال الشيخ: لعل وجه الابتداء بالنكرة كون تقدير الكلام: أصحاب وجوه بالإضافة، إلا أن الخشوع والذل لما كان يظهر في الوجه.. حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وإنما قلنا: إن الذل يظهر في الوجه؛ لأنه ضد التكبر الذي محله الرأس والدماغ، والمراد بأصحاب الوجوه: هم الكفار بدلالة ما بعده من الأوصاف.
٣ - ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣)﴾ بالرفع خبران آخران لـ ﴿وُجُوهٌ﴾، إذ المراد بها أصحابها، كما أشرنا إليه آنفًا، أو خبران لمبتدأ محذوف،


الصفحة التالية
Icon