والضمير راجع إلى الوجوه على جميع هذه القراءات، والمراد: أصحابها كما تقدم،
٥ - وكذا الضمير في قوله: ﴿تُسْقَى﴾ أي: تسقى تلك الوجوه بعد مدة طويلة من استغاثتهم من غاية العطش ونهاية الاحتراق؛ أي: سقاها الله سبحانه، أو الملائكة بأمره تعالى ﴿مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾؛ أي: من عين ماء قد انتهى حرها غايتها، لتسخينها بتلك النار منذ خلقت، لو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت، فإذا أدنيت من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم، وإذا شربوا قطعت أمعاءهم، كما قال تعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)﴾ يقال: أنى الحميم إذا انتهى حرة: فهو آنٍ، والآني: هو الذي قد انتهى حره.
وحاصل معنى قوله: ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣)﴾؛ أي (١): إن هؤلاء الكفار كانوا في حياتهم الدنيا يعملون ويجتهدون في أعمالهم، لكن لم يتقبلها ربهم؛ لأنهم لم يقدموا عليها الإيمان بالله ورسوله، وهو الدعامة الأولى في قبول العمل عنده، ولأنهم لم يقصدوا بها وجهه تعالى، ولأنهم كانوا يجتهدون في مشاقة الله ورسوله، ويسعون في الأرض.
والخلاصة: أن هؤلاء الكفار وقع منهم في الدنيا عمل، وأصابهم فيه نصب وتعب، لكنهم لم يستفيدوا منه شيئًا، وآثار الخيبة وحبوط العمل بادية على وجوههم.
ثم ذكر مكانها في هذا اليوم فقال: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤)﴾؛ أي: إن هذه الوجوه تقاسي حر النار، وتعذب بها؛ لأن أعمالها في الدنيا كانت خاسرة غلبها الشر، وجانبها الخير، وهذه النار الحامية لا نعرف كنهها، ولكن علينا أن نؤمن بها، وبأن حلفاء الباطل يصلونها.
وبعد أن ذكر مكانها ذكر شرابها فقال: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)﴾؛ أي: إن أهل النار إذا عطشوا في تلك الدار وطلبوا ما يطفىء غلتهم وعطشهم.. جيء لهم بماء من ينبوع بلغ من الحرارة غايتها، فهو لا يطفىء لهبًا، ولا ينقع غلة.
٦ - وبعد أن ذكر شرابهم.. أردفه بوصف طعامهم، فقال: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon