دفع لضرورتهم، لكن لا على أن لهم استعدادًا للشبع والسمن؛ لأنه لا يفيدهم شيئًا منهما، بل على أنه لا استعداد من جهتهم، ولا إفادة من جهة طعامهم، وتحقيق (١) ذلك: أن جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما في هذه النشأة من حالة عارضة للإنسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن، مشوقة له إلى المطعوم والمشروب، بحيث يتلذذ بهما عند الأكل والشرب، ويستغني بهما عن غيرهما عند استقرارهما في المعدة، ويستفيد منهما قوةً وسمنًا عند انهضامهما، بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرام النار في أحشائهم إلى إدخال شيء كثيف يملؤها، ويخرج ما فيها من اللهب، وأما أن يكون لهم شوق إلى مطعوم ما أو التلذذ به عند الأكل، والاستغناء به عن الغير، أو استفادة وقوة.. فهيهات.
وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع، والتهابه في بطونهم إلى شيء مائع بارد يطفئه، من غير أن يكون لهم التلذذ بشربه، أو استفادة قوة به في الجملة، وهو المعني بما روي: أنه تعالى سلَّط عليهم الجوع بحيث يضطرهم إلى أكل الضريع، فإذا أكلوه يسلط عليهم العطش، فيضطرهم إلى شرب الحميم، فيشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم.
وتنكير الجوع للتحقير (٢)؛ أي: لا يغني من جوع ما، وتأخير نفي الإغناء عنه لمراعاة الفواصل والتوسل به إلى التصريح بنفي كلا الأمرين، إذ لو قدم لما احتيج إلى ذكر نفي الإسْمَانِ ضرورة استلزام نفي الإغناء عن الجوع إياه، بخلاف العكس، ولذا كرر لتأكيد النفي.
وحاصل معنى قوله (٣): ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)﴾؛ أي: إن هذا الطعام لا يدفع جوعًا ولا يفيد سمنًا، فليس له فائدة الطعام التي لأجلها يؤكل في الدنيا، وقد سمى الله سبحانه ذلك الطعام بالضريع تشبيهًا له به، وإلا فذلك العالم ليس فيه نمو أبدان، ولا تحلل مواد على النحو الذي يكون في الدنيا، بل هو عالم خلود

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon