وبقاء، واللذائذ فيه لذائذ سعادة، والآلام فيه آلام شقاء، فكل ما في ذلك العالم إنما يقع بينه وبين ما في عالمنا نوع مشابهة، لا اتفاق ولا مجانسة.
وقد جاء في سورة الحاقة في طعام الكافرين (١): ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦)﴾، وفي سورة الواقعة: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢)﴾، وفي سورة الدخان: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾، فهذا كله يدل على أن طعام أهل النار شيء يوافق النشأة الآخرة، عبر عنه بعبارة مختلفة ليصور في أذهاننا بشاعته وخبثه لتنفر عنه نفوسنا، وتطلب كل وسيلة للفرار منه، فتبتعد عن العقائد الفاسدة، والأعمال الخاسرة، كما مر ذلك آنفًا. قال (٢) المفسرون: لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن إبلنا تسمن من الضريع، فنزلت: ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)﴾، وكذبوا في قولهم هذا، فإن الإبل لا تأكل الضريع ولا تقربه، وقيل: اشتبه عليهم أمره، فظنوه كغيره من النبات النافع.
٨ - ثم شرع سبحانه في بيان حال أهل الجنة بعد الفراغ من بيان حال أهل النار فقال: ﴿وُجُوهٌ﴾ من المؤمنين ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ غشيت الداهية الناس ﴿نَاعِمَةٌ﴾؛ أي: ناضرة ذات بهجة وحسن وضياء، مثل القمر ليلة البدر، لما شاهدوا من عاقبة أمرهم، وما أعده الله سبحانه لهم من الخبر الذي يفوق الوصف، فـ ﴿نَاعِمَةٌ﴾ من نعم الشيء بالضم نعومَةً؛ أي: صار ناعمًا لينًا، ويجوز أن يكون بمعنى: متنعمة؛ أي: بالنعم الجسمانية والروحانية، فيكون المراد بها حقيقة النعمة. وإنما لم تعطف (٣) على ما قبلها إيذانًا بكمال تباين مضمون الجملتين، وتقديم حكاية أهل النار؛ لأنه أدخل في تهويل الغاشية، وتفخيم حديثها، وفيه إشارة إلى نعيم اللقاء الذي هو ثمرة اللطافة، والتورية التي هي نتيجة التجرد، كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ فإن بالنظر إلى الرب جل جلاله يحصل نضرة، أي: نضرة.

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon