الْوَاهِبُ الْمِئَةَ الْهِجَانَ وَعَبْدَهَا
وقال آخر:
أَعْطُوْا هُنَيْدَةَ تَحَدُوْهَا ثَمَانِيَةٌ
وناسب التنبيه بالنظر إليها وإلى ما حوت من عجائب الصفات ما ذكر معها من السماء والجبال والأرض؛ لانتظام هذه الأشياء في نظر العرب في أوديتهم وبواديهم، وليدل على الاستدلال على إثبات الصانع، وأنه ليس مختصًا بنوع، بل هو عام في كل موجوداته، كما قيل:

وَفِيْ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
ولم يذكر الفيل مع أنه أعظم خلقة من الإبل؛ لأنه لم يكن بأرض العرب، فلم تعرفه، ولا يحمل عليه عادة، ولا يحلب دره، ولا يؤمن ضره. وقال الحسن: وخص الإبل بالذكر؛ لأنها تأكل النوى والقت، وتخرج اللبن، فقيل له: الفيل أعظم منها في الأعجوبة، قال: العرب بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير، لا يؤكل لحمه، ولا يركب ظهره، ولا يحلب دره.
والإبل لا واحد له من لفظه، وهو مؤنث، ولذلك إذا صغر دخلته التاء، فقالوا: أُبَيلة، وقالوا في الجمع: آبال.
وقرأ الجمهور (١): ﴿الْإِبِلِ﴾ بكسرتين، وتخفيف اللام، وروى الأصمعي عن ابن عمرو: إسكان الباء، وقرأ علي وابن عباس: بشد اللام بعد كسرتين، ورويت عن أبي عمرو وأبي جعفر والكسائي، وقالوا: إنها بهذا الضبط: السحاب عن قوم من أهل اللغة، وبالضبطين الأولين: الجمال. والهمزة في قوله: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾ للإنكار (٢) والتوبيخ، داخلة على محذوف يقتضيه المقام، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، وكلمة ﴿كَيْفَ﴾ (٣) منصوبة بما بعدها معلقة لفعل النظر، والجملة في حيز الجر على أنها بدل اشتمال من الإبل؛ أي أينكرون ما ذكر من البعث وأحكامه، ويستبعدون وقوعه عن قدرة الله تعالى، فلا ينظرون نظر اعتبار إلى الإبل
(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon