والمعنى (١): أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار إلى كيفية خلق هذه المخلوقات الشاهدة بحقية البعث والنشور؛ لإشعارها بأن خالقها متصف بصفات الكمال من القدرة والقوة والحكمة، منزه عن صفات النقصان من العجز والضعف والجهل حتى يرجعوا عما هم عليه من الإنكار والنفور، ويسمعوا إنذارك، ويستعدوا للقاء الله تعالى بالإيمان والطاعة.
وقصارى ما سلف (٢): أنه لو نظر هؤلاء الجاحدون المعاندون فيما تقع عليه أنظارهم من هذه الأشياء، وفكروا فيها.. لعلموا أنها صنعة لا توجد إلا بموجد عظيم، ولا تحفظ إلا بحافظ قدير، ولأدركوا أن القادر على خلق هذه المخلوقات وحفظها ووضعها على قواعد الحكمة، قادر على أن يرجع الناس في يوم يوفّى فيه كل عامل جزاء عمله، وعلى أن ينشىء النشأة الآخرة من غير أن يعرفوا طريق إنشائها، فلا ينبغي أن يكون جهلهم بكيفية يوم القيامة سببًا في جحده وإنكاره.
وإنما خص هذه (٣) المخلوقات بالذكر؛ لأن الناظر منهم يفكر في أقرب الأشياء إليه، فهو يرى بعيره الذي يمتطيه، ثم إذا هو رفع رأسه فوق رأى السماء، ثم إذا التفت يمنة أو يسرة.. رأى ما حواليه من الجبال، فإذا مد ناظريه أمامه أو تحته رأى الأرض، فالعربي يرى ذلك كل يوم، ومن ثم أمره الله تعالى بالتدبر فيها.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿خُلِقَتْ﴾ ﴿رُفِعَتْ﴾ ﴿نُصِبَتْ﴾ ﴿سُطِحَتْ﴾ بتاء التأنيث مبنيًا للمفعول، وقرأ علي بن أبي طالب وأبو حيوة وابن أبي عبلة وابن السميفع وأبو العالية: ﴿خُلِقَتْ﴾ ﴿رُفِعَتْ﴾ ﴿نُصِبَتْ﴾ ﴿سُطِحَتْ﴾ بتاء المتكلم مبنيًا للفاعل في جميعها والمفعول محذوف؛ أي: خلقتها، رفعتها، نصبتها، سطحتها، وقرأ الجمهور: ﴿سُطِحَتْ﴾ مبنيًا للمفعول مخففة الطاء، وقرأ الحسن وهارون: بشدها.
٢١ - ولما حَضَّهم سبحانه وتعالى على النظر في هذه المخلوقات.. أمر رسوله - ﷺ - بتذكيرهم، فقال: ﴿فَذَكِّرْ﴾، والفاء لترتيب الأمر بالتذكير على ما ينبىء عنه الإنكار السابق من عدم النظر، فهي فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.