٢٥ - ثم أكد تعذيب الله لمن تولى وكفر بقوله: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥)﴾؛ أي: رجوعهم بيعد الموت، فهو تعليل لتعذيبه تعالى بالعذاب الأكبر؛ أي: إن إلينا رجوعهم بالموت والبعث، لا إلى أحد سوانا، لا استقلالًا ولا اشتراكًا، كما قال تعالى؛ ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ فتقديم (١) الخبر للتخصيص والمبالغة، فإنه يفيد معنى أن يقال: إن إيابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام، كما أن مبدأهم وصدورهم كان منه، وفيه تخويف شديد، فإن رجوع العبد العاصي العصر إلى مالكه الغضوب في غاية الصعوبة، ونهاية العسرة، وجمع الضمير فيه وفيما بعده باعتبار معنى ﴿من﴾، كما أن إفراده فيما سبق باعتبار لفظها، ويقال: آب يؤب أوبًا وإيابًا إذا رجع، ومنه قول عبيد بن الأبرص:

وَكُلُّ ذِيْ غَيْبَةٍ يَؤُوبُ وَغَائِبُ الْمَوْتِ لَا يَؤُوبُ
وقرأ الجمهور (٢): ﴿إِيَابَهُمْ﴾ بتخفيف الياء مصدر آب: بمعنى رجع، وقرأ أبو جعفر وشيبة: بتشديدها. قال أبو حاتم: لا يجوز التشديد، ولو جاز لجاز مثله في المعيام والقيام، وقيل: هما لغتان بمعنى، قال الواحدي: وأما إيابهم بتشديد الياء، فإنه شاذ لم يجزه أحد غير الزجاج.
٢٦ - ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا﴾ بمقتضى وعيدنا، لا وجوبًا، لا على غيرنا ﴿حِسَابَهُمْ﴾؛ أي: جزاءهم بعد رجوعهم إلينا بالبعث، فنحن نحاسبهم على النقير والقطمير من نياتهم وأعمالهم، و ﴿ثُمَّ﴾ (٣) للتراخي في الرتبة لبعد منزلة الحساب في الشدة عن منزلة الإياب، لا في الزمان، فإن الترتيب الزماني بين إيابهم وحسابهم، لا بين كون إيابهم إليه تعالى، وحسابهم عليه تعالى، فإنهما أمران مستمران، والمعنى: أي: لا مفر للمعرضين، ولا خلاص لهم من الويل الذي أوعدوا به، فإنهم راجعون إلينا، وقد حق القول منا في عقابهم، وسنحاسبهم على ما كسبت أيديهم. وفي هذا تسلية لقلب رسوله - ﷺ -، وإزالة أحزانه وآلامه لتكذيبهم إياه، وإصرارهم على معاندته، وفي "الإرشاد": وفي تصدير (٤) الجملتين بـ ﴿إِنَّ﴾، وتقديم خبرها، وعطف الثانية على
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.
(٤) أبو السعود.


الصفحة التالية
Icon