الآخر الذين وجوههم ناعمة بقوله: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)﴾. وأيضًا لما قال: ﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣)﴾ قال هنا:

﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)﴾ تهديدًا لمن كفر وتولى.
قال الشيخ موسى جار الله - رحمه الله تعالى - في كتابه: "نظم الدرر في ترتيب السور وتناسبها": وسورة الفجر فيها تاريخ التمدن بترتيب عجيب، يظهر منه أن تمدن جنوب جزيرة العرب أقدم من تمدن الفراعنة، وظاهر قوله تعالى: ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨)﴾ أن تمدن عاد كان أرقى من كل تمدن كان قبله أو في زمنه، فإن كان أوتاد فرعون في هذه السورة هي أهرام الفراعنة، وهي قبورهم، فلعل ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (٨)﴾ هي شيء أعجب صنعًا، وأنفع للناس، وإن لم تكن أرسى من الأهرام، وأصبر منها على عوادي الطبيعة، وجاءت السورة بعد سورة الغاشية ليرى الترتيب أن غاشية من الغواشي غشيت التي لم يخلق مثلها في البلاد، فهل ترى لها من باقية؟ انتهى.
ومن فضائلها: ما أخرجه النسائي عن جابر قال: صلى معاذ صلاة، فجاء رجل، فصلى معه فطول، فصلى في ناحية المسجد، ثم انصرف، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: منافق، فذكر ذلك لرسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله، جئت أصلي، فطول علي، فانصرفت، فصليت في ناحية المسجد فعلفت ناضحي، فقال رسول الله - ﷺ -: "أفتان أنت يا معاذ؟، أين أنت من ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾، ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١)﴾، و ﴿الْفَجْرِ﴾ و ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١)﴾.
ومنها: ما روي عن النبي - ﷺ -: "من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له، ومن قرأها في سائر الأيام، كانت له نورًا يوم القيامة"، ولكن فيه مقال.
الناسخ والمنسوخ فيها: وقال محمد بن حزم رحمه الله تعالى: سورة الفجر كلها محكمة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وسميت سورة الفجر لذكر الفجر فيها.
واشتملت هذه السورة على مقصدين:
أولهما: في إهلاك عاد وثمود وقوم فرعون، وذلك من أول السورة إلى قوله:
(١) البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon