اليتامى من فساد أخلاقهم، وتعطيل قواهم، وانتشار العدوى منهم إلى معاشريهم، فينتشر الداء في جسم الأمة دليل على أن ما يزعمون من اعتقادهم بإله يأمرهم وينهاهم، وأن لهم دينًا يعظهم زعم باطل، وإذا غشوا أنفسهم، وادعوا أنهم يتذكرون الزواجر، ويراعون الأوامر، فذلك مقال تكذبه الفعال.
قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنكر عليهم أقوالهم، وادعاءهم أن الغنى إكرام لهم، وأن الفقر إهانة لهم، ونعى عليهم أفعالهم من حرصهم على الدنيا، واستفراغ الجهد في تحصيلها؛ وتكالبهم على جمعها من حلال وحرام.. أردفه (١) ببيان أن ما يزعمونه من أنهم لربهم ذاكرون، مع فراغ قلوبهم من الرأفة بالضعفاء، وامتلائها بحب المال، والميل إلى الشهوات، زعم لا حقيقة له، وإنما يتذكرون ربهم في ذلك اليوم العظيم حين يشهدون الهول، ويعوزهم الحول، ويظهر لهم مكانهم من النكال والوبال، ولكن هذه الذكرى قد فات أوانها، وانتهى إبانها، فإن الدار دار جزاء، لا دار أعمال، فلا يبقى فيها لأولئك الخاسرين، إلا الحسرة والندامة، وقول قائلهم: ﴿لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، ويكون لهم من العذاب ما لا يقدر قدره، ومن الإهانة ما يجل عن التشبيه والتمثيل.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ...﴾ إلخ، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حال الإنسان الذي خلي وطبعه فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره في الآخرة.. أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع، وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامح الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان في الغنى شاكرًا لا يتناول إلا حقه، وفي الفقر صابرًا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه في ذلك اليوم يكون بجوار ربه، راضيًا بعمله في الدنيا، مرضيًا عنده، يدخله في زمرة الصالحين المكرمين من عباده.