للإنسان لا لكرامته - كما في الكافر والعاصي، ويضيقه عليه، لا لإهانته، كما في المؤمن المطيع - بل للاختبار والامتحان. قال الفراء: ﴿كَلَّا﴾ في هذا الوضع بمعنى: أنه لم يكن للعبد أن يكون هكذا، ولكن يحمد الله تعالى على الغنى والفقر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: لم أبتله بالغنى لكرامته على، ولم ابتله بالفقر لهوانه عليَّ، بل ذلك لمحض القضاء والقدر، بلا تعليل بالعلل.
ثم انتقل سبحانه من بيان سوء أقوال الإنسان إلى بيان سوء أفعاله، فقال: ﴿بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾ الذي فقد أباه، بالإنفاق عليه والكسوة ونحوهما، واليتيم من بني آدم: هو الذي فقد أباه، وكان غير بالغ، ومن البهائم: هو الذي فقد أمه، وفي الحديث: "أحب البيوت إلى الله بيت فيه يتيم مكرم"، والالتفات فيه إلى الخطاب على قراءة الجمهور بالتاء الفوقية؛ للإيذان باقتضاء ملاحظة جنايته السابقة لمشافهته بالتوبيخ؛ تشديدًا للتقريع، وتأكيدًا للتشنيع، والجمع في ﴿تُكْرِمُونَ﴾ وفيما سيأتي من سائر الأفعال باعتبار معنى الإنسان؛ إذ المراد به الجنس؛ أي: بل لكم أحوال أشد شرًا مما ذكر، وأدل على تهالككم على المال، حيث يكرمكم الله تعالى بكثرة المال، فلا تؤدون ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم بالنفقة والكسوة ونحوهما.
قال في "الأشباه": استخدام اليتيم بلا أجرة حرام ولو لأخيه ومعلمه، إلا لأمه، وفيما إذا أرسله المعلم لإحضار شريكه. انتهى.
وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمرو: ﴿يكرمون﴾، و ﴿لا يحضون﴾، و ﴿يأكلون﴾، و ﴿يحبون﴾ بياء الغيبة فيها، وقرأ باقي السبعة: بتاء الخطاب في جميعها.
والمعنى: أنكم تتركون إكرام اليتيم، فتأكلون ماله، وتمنعونه من فضل أموالكم، قال مقاتل: نزلت في قدامة بن مظعون، وكان يتيمًا في حجر أمية بن خلف، فيدفعه عن حقه، فنزلت.
والمعنى: ﴿كَلَّا﴾؛ أي (١): لم ابتل الإنسان بالغنى لكرامته عندي، ولم ابتله