صلاح وإصلاح، وأنكم على ملة إبراهيم خليل الرحمن.
٢١ - ثم كرر سبحانه الردع لهم والزجر، فقال: ﴿كَلَّا﴾، فهو ردع لهم عما ذكر من الأفعال والتروك، وإنكار عليهم؛ أي: لا ينبغي (١) أن يكون الأمر كذلك في الحرص على الدنيا، وقصر الهمة على تحصيلها وجمعها، من حيث تهيأ لهم من حل أو حرام، وترك المواساة منها، وتوهم أن لا حساب ولا جزاء، فإن عاقبة ذلك الحسرة والندامة على إيثار الحياة الدنيوية الفانية على الحياة الآخروية، وسيأتي يوم يندمون فيه أشد الندم، ولكن لا تنفعهم الندامة، ويتمنون لو كانوا أفنوا حياتهم في التقرب إلى ربهم بصالح الأعمال.
ثم بين ذلك اليوم، ووصفه بأوصاف ثلاثة، فقال:
١ - ﴿إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ﴾ وزلزلت ﴿دَكًّا دَكًّا﴾؛ أي: دكًا متتابعًا، وزلزلةً متواترة، وضرب بعضها ببعض حتى انكسر وذهب كل ما على وجهها من جبال وأبنية وقصور، حين زلزلت زلزلةً بعد زلزلة، وحركت تحريكًا بعد تحريك، وصارت هباءً منبثًا، وهو عبارة عما عرض لها عند النفخة الثانية، والجملة الفعلية في محل الخفض بإضافة ﴿إذا﴾ إليها؛ لأنها فعل شرط لها، و ﴿إذا﴾ متعلقة بالجواب الآتي، وهو قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ﴾ ما فرط فيه في الدنيا. والجملة مستأنفة مسوقة بطريق الوعيد تعليلًا للردع، والدك: الدق، يقال: دككت الشيء أدكه دكًا: إذا ضربته وكسرته حتى سويته بالأرض، وقال الخليل: الدك: كسر الحائط والجبل، وقال المبرد: الدك: حط المرتفع بالبسط؛ أي: بسطت وذهب ارتفاعها، وقال الزجاج: تزلزلت، ودك بعضها بعضًا، وقال ابن قتيبة: دكت جبالها حتى استوت، والمعنى هنا: زلزلت، وحركت تحريكًا بعد تحريك، ودكًا الثاني ليس تأكيدًا للأول، بل هو دك آخر سوى الأول، وقال ابن عصفور: وانتصاب ﴿دَكًّا﴾ الأول على أنه مصدر مؤكد لفعله، و ﴿دَكًّا﴾ الثاني: تأكيد للأول، ويجوز أن يكون النصب على الحال؛ أي: حال كونها مدكوكة مرة بعد مرة، كما يقال: علمته الحساب بابًا بابًا، علمته الخط حرفًا حرفًا.